ذلك هو الإطار العام الذي تطورت فيه القراءات في الصدر الأول، استندنا في رسمه إلى هذا النص الطويل لأبي عبيد القاسم بن سلام (ت ٢٢٤ هـ)، والذيل عليه لأبي الحسن السخاوي الذي تحدث عن الطور الثالث من أطوار القراءة في الأمصار الخمسة، والذي اكتمل في صورته الأخيرة في عمل أبي بكر بن مجاهد شيخ القراء ببغداد (ت ٣٢٤ هـ) أي بعد القاسم بن سلام بمائة عام.
وقد نقلناه هنا على ما به من طول، لنحاول أن نترصد من خلاله ونتمثل آثار هذا التطور في مراحله المتعاقبة، على القراءة في الأقطار والجهات المغربية التي يعنينا الحديث عنها هنا منذ أول الفتح.
- الأطوار الأولى التي عرفتها القراءة في المناطق المغربية
ولعل من المفيد في ذلك أن نعود إلى تتبع هذه الأطوار من بدايتها، لنرافق امتدادات قراءات الأمصار الإسلامية في اتجاه الأقطار والجهات المغربية، ولتتلمس معالم الطريق التي سلكتها في كل طور من أطوارها الثلاثة قبل أن يجتمع أهلها نهائيا على قراءة امام من أولئك السبعة، ويعتمدوها قراءة رسمية.
أ طور القراءة الفردية الحرة
ـ كتاب التبصرة والتذكار، لحفظ مذاهب القراء السبعة بالأمصار، من رواياتهم وطرقهم المشهورة بالآثار لمحمد بن مفرج البطليوسي المعروف بالربوبلة (ت ٤٩٤) من أصحاب مكي وأبي عمرو الداني.
ـ وكتاب النبذ النامية، في أسانيد القرآن العالية "لأبي الحسين يحيى بن إبراهيم المرسي المعروف بابن البياز (ت ٤٩٦) من أصحاب الطلمنكي ومكي والداني والخزرجي والطرسوسي بمصر.
ـ وكتاب الناهج للقراءات بأشهر الروايات لمحمد بن يحيى بن مزاحم الطليطلي (ت ٥٠٢) من أصحاب ابن نفيس وأبي عمرو الداني.
ـ وكتاب الطرق المتداولة في القراءات لأبي جعفر أحمد بن علي بن الباذش (ت ٥٤٠).
ـ وكتاب شرف المراتب والمنازل، في العالي من القراءات والنازل لمحمد بن سليمان المعافري (ت ٦٧٢).
ـ وكتاب الحلل الحالية، بأسانيد القرآن العالية، "لمحمد بن يوسف بن حيان أبي حيان الغرناطي (ت ٧٤٥).
إلى غيرها من الكتب التي عمل خلفاء الأقطاب من بعدهم على تأليفها لضبط مروياتهم وأسانيدهم وطرق رواياتهم.
وكان هذا الاهتمام ولا شك وليد الإحساس بالحاجة إلى مزيد من الضبط والتوثيق لأوجه التحمل في الرواية، وذلك لأن القراءة على إمام من الأئمة المتصدرين بمضمن كتاب من كتبهم المعتمدة أمست تقتضي من القارئ حفظ طرق إمامه في ذلك الكتاب حتى لا يخرج عنها، وكان في أئمة الإقراء من بلغت طرقه عدة مئات.
فهذا أبوعمرو الداني تقدم أن كتابه "جامع البيان في القراءات السبع" قد اشتمل على نيف وخمسمائة رواية وطريق عن الأئمة السبعة.


الصفحة التالية
Icon