والبعثة الوحيدة التي يمكن الحديث عن أثرها في توحيد القراءة على وفق المصحف العثماني الإمام هي بعثة عمر بن عبد العزيز، وذلك لوصولها إلى هذه المناطق على رأس المائة الأولى من الهجرة، وهو زمن قطعت فيه القراءة الرسمية شوطا بعيدا في الأمصار الإسلامية باتساع جمهورها وبداية ظهور الأئمة الكبار الذين ذكر أبو عبيد أنهم "تجردوا للقراءة واشتدت بها عنايتهم ولها طلبهم"، لاسيما في بلاد الشام الذين يذكر الحافظ ابن عساكر عنهم أنه "لما قدم كتاب عثمان إلى أهل الشام في القراءة، قالوا سمعنا وأطعنا وما اختلف في ذلك اثنان، انتهوا إلى ما أجمعت عليه الأمة وعرفوا فضله"(١).

(١) - تهذيب تاريخ دمشق لابن بدران ١/٦٥. وقد وقع بعض التوقف في شأن بعض القراءات المرسومة في المصحف العثماني من الصحابي الجلي أبي الدرداء حين وصل المصحف إلى دمشق، فقال في قوله تعالى في سورة الليل "وما خلق الذكر والأنثى" "وهؤلاء يريدونني أن أقرأ (وما خلق) فلا أتابعهم" وكان يقرؤها هكذا (والذكر والأنثى). يمكن الرجوع إلى البخاري بشرح ابن حجر ١٠/٣٣٥ وصحيح مسلم ١/٥٦٦ وجامع الترمذي بشرح عارضة الأحوذي لابن العربي ١١/٥٨.

"والذي أختاره لنفسي إذا قرأت أكثر الحروف المنسوبة إلى قالون، إلا الهمز، فإني أتركه أصلا، إلا فيما يحيل المعنى أو يلبسه مع غيره، أو يسقط المعنى بإسقاطه، ولا أكسر باء "بيوت" ولا عين "عيون" فإن الخروج من كسر إلى ياء مضمومة لم أقدر عليه، ولا أكسر ميم "مت"(١)، وما كنت لأمد مد حمزة، ولا أقف على الساكن وقفته، ولا أقرأ بالإدغام الكبير لأبي عمرو ولو رواه في تسعين(٢) ألف قراءة، فكيف في رواية بحرف من سبعة أحرف؟ ولا أمد ميم ابن كثير(٣)، ولا أضم هاء "عليهم" و"إليهم"(٤) وذلك أخف، وهذه كلها أو أكثرها عندي لغات لاقراءات، لأنها لم يثبت منها عن النبي ﷺ شيء، وإذا تأملتها رأيتها اختيارات مبنية على معان ولغات"(٥).
(١) - يعني "أئذا ما مت" في مريم"، و"أفاين مت" في الانبياء.
(٢) - كذا ولعلها "سبعين" لأن استعمال السبع والسبعين والسبعمائة هو المألوف الشائع في إرادة الكثرة.
(٣) - يعني ميم الجمع كمنهم وإليهم.
(٤) - يعني لحمزة كما في السبعة لابن مجاهد ١١١.
(٥) - العواصم من القواصم ١/٢٠٣ـ٢٠٤.


الصفحة التالية
Icon