١- إسماعيل بن عبيد الأنصاري مولى لهم ـ يعرف بتاجر الله ـ وقد قدمنا أنه هو الذي أسس جامع الزيتونة بالقيروان، وكان "ومن أهل الفضل والعبادة.. مع علم وفقه، صحب جماعة من الصحابة وهم عبد الله بن عمر وعبد الله بن عباس وعبد الله بن عمرو بن العاص، وروى عنه من أهل افريقية بكر بن سوادة الجذامي وعبد الرحمن بن زياد بن أنعم.. وكان من سكان القيروان، انتفع به خلق كثير من أهلها وغيرهم، وبث فيها علما كثيرا، وهو أحد العشرة التابعين.. ركب البحر في غزاة عطاء بن رافع، فغرق وهو متقلد الصحف، وختم اللهـ عز وجل ـ أعماله بالشهادة، وكان ذلك في سنة سبع ومائة"(١).
٢- إسماعيل بن عبيد الله بن أبي المهاجر القرشي المخزومي ـ مولى لهم ـ وهو والي عمر بن عبد العزيز على افريقية والمغرب، ويذكر ابن حبان في مشاهير علماء الأمصار أنه كان "من صالحي أهل الشام وخيار الدمشقيين، كان قد ولاه عمر بن عبد العزيز جند افريقية، ومات في خلافة مروان سنة ١٣٢"(٢).
وهو معدود في المصادر الافريقية في عداد أفراد البعثة العمرية وفي طليعتها(٣).
أما ابن عذاري فيذكر أن عمر "بعث معه عشرة من التابعين أهل علم وفضل"(٤).
وهذا يقتضي أنه ليس في الجملة، وذكر المالكي أن عمر استعمله على أهل افريقية ليحكم بينهم بكتاب الله عز وجل وسنة نبيه – ﷺ ــ ويفقههم في الدين ـ قال ـ وهو أحد العشرة التابعين.."(٥).
(٢) - مشاهير علماء الأمصار لابن حبان ١٧٩ ترجمة ١٤١٨.
(٣) - معالم الإيمان ١/٢٠٣ ورياض النفوس ١/١١٥.
(٤) - البيان المغرب ١/٤٨.
(٥) - رياض النفوس ١/١١٦ ترجمة ٣٨.
ونحن إذا وجهنا دعوة ابن العربي هذه الوجهة وعلى هذا التاويل وجدناه في حقيقته يلتقي مع المنحى الأثري الذي انتهجه قبله حافظ القراءات وقطب المدرسة الاتباعية بالمغرب أبو عمرو الداني، فلقد رأينا من منهجه في إيراد الخلاف أنه يذكر جملة ما قرأ به من وجوه فيقول مثلا: أقرأني أبو الفتح بكذا وأقرأني أبو الحسن بكذا، وقرأت على الخاقاني بكذا، ثم يقول: واختياري كذا، وربما عرض أوجه الخلاف أو سكت عنها، ثم يقول عن الوجه الذي ذكره: وبه قرأت وبه آخذ، وهو إعلام منه بوجود وجوه أخرى لم يقرأ بها ولم يأخذ. وبذلك كان أبو عمرو مدرسة خاصة تقوم على الاختيار في دائرة المروي كما قدمنا بناء على مقومات الاختيار التي وصفناها في سياق حديثنا عن منهجه، كما كان ـ لاسيما في كتاب "التيسير" ـ يرسم المنهاج السليم لعرض مسائل الخلاف، مما ييسر به على القارئ الشادي معرفة المأخوذ به في الأداء، وذلك معناه رسم المعالم الواضحة للقراءة "الرسمية" التي ينبغي اعتمادها دون دخول في كثرة الخلاف وفي تشعبات الطرق والروايات.
ولعله لهذه الرغبة الملحاح في الانضباط على قراءة جامعة تلتقي على وجوه ثابتة متفق على القراءة بها للسبعة اقتصر رجال مدرسة أبي عمرو من كتبه في القراءة على كتاب "التيسير" لاختصاره ووفائه بالغرض في هذا الشان، فجعلوه محور نشاطهم في الإقراء، وعكفوا عليه في الجهات التي بلغها إشعاع مدرسته، وعلى الأخص في شرق البلاد الأندلسية حيث تصدر أصحابه الكبار في دانية وبلنسية ومرسية وشاطبة كما أسلفنا.