ولعل أول من ظهرت "الدراسة" في حلقته هو الصحابي الجليل أبو الدرداء عويمر بن زيد، وكانت حلقة حافلة في مسجد دمشق يبلغ تعداد من تضمه ألفا وستمائة ونيفا(١)، وذكر الإمام النووي نقلا عن أبي داود أن أبا الدرداء "كان يدرس القرآن معه نفر يقرأون جميعا"(٢)، وذكر الحافظ الذهبي أن أبا الدرداء "هو الذي سن الحلق للقراءة"(٣). ولكن الحافظ ابن عساكر ينسب احداث هذه "الدراسة" إلى هشام بن إسماعيل المخزومي في قدمته على عبد الملك ـ، قال: ـ فحجبه عبد الملك، فجلس بعد الصبح في مسجد دمشق وعبد الملك في الخضراء"(٤)، فأخبر أن عبد الملك يقرأ في الخضراء، فقرأ هشام بن إسماعيل، فجعل عبد الملك يقرأ بقراءة هشام، فقرأ بقراءته مولى له، فاستحسن ذلك من يليه من أهل المسجد فقرأ بقراءته"(٥).
ويمكن الجمع بين الخبرين بالنظر إلى احتمال أن يكون هشام هذا من رواد حلقة أبي الدرداء، وأن يكون أسلوب الدراسة كان قد انقطع أو تنوسي العمل به منذ وفاة أبي الدرداء سنة ٣٢(٦)حتى أعاد هشام احياءه في مسجد دمشق، وغدا منذ هذا العهد مألوفا بالشام حتى حمله الحاملون معهم فيما حملوا إلى افريقية من أنواع المؤثرات.
(٢) - التبيان في آداب حملة القرآن للنووي ٥٧.
(٣) - سير أعلام النبلاء للذهبي ٢/٢٤٩.
(٤) - يعني دار الإمارة بدمشق.
(٥) - تاريخ دمشق ٢/٤٩ والتبيان للنووي ٥٧ وينظر في نسبة الدراسة لهشام تاريخ أبي زرعة الدمشقيي ٢/٧١٣.
(٦) - ترجمته في غاية النهاية ١/٦٠٦-٦٠٧ ترجمة ٢٤٨٠.
وهكذا لقي من الحفاوة العظيمة ما شجعه على المقام، فلزم تلك المدرسة "وجلس للإقراء، فقصده الخلائق من الأقطار"(١).
وهنالك نظم قصيدته الرائية واللامية، والظاهر أن ذلك كان لأول حلوله بمصر، ثم حج بيت الله الحرام ودعا لقصيدته "حرز الأماني" ـ كما سيأتي ـ أن ينفع الله بها كل من قرأها.
ثم لما فتح الملك الناصر صلاح الدين يوسف بن أبوب بيت المقدس توجه فزاره سنة ٥٨٩(٢) وقال أبو شامة: قبل موته بثلاث سنينن فصام به رمضان واعتكف"(٣).
وقد تزوج على إثر دخوله مصر ـ كما ذكر الفقطي ـ إلى قوم يعرفون ببني الحميري، وكان ذلك قبل أن ينتقل إلى المدرسة الفاضلية(٤) ثم ولد له بعد نحو ثلاث سنوات من استقراره بمصر ولده أبو عبد الله محمد بن القاسم وبقي بعده إلى سنة ٦٥٥ وكان في الرواة عنه كما سيأتي، كما ولدت له بنت يظهر أنها أصغر من أخيها تزوج بها بعد وفاته صاحبه أبو الحسن علي بن شجاع المعروف بالكمال الضرير "وجاءه منها الأولاد"(٥).
وفاته: ذلك ملخص تنقلاته إلى أن مات ـ رحمه الله ـ بمصر عن اثنتين وخمسين سنة سنة ٥٩٠هـ، ودفن بالقرافة وكانت وفاته يوم الأحد بعد صلاة العصر الثامن والعشرين من جمادى الآخرة، ودفن يوم الإثنين بالقرافة بين مصر والقاهرة بمقبرة القاضي الفاضل، ذكره أبو شامة في حوادث سنة ٥٩٠ وقال: "وقد زرت قبره"(٦).
(٢) - المصدر نفسه.
(٣) - الذيل على الروضتين: ٧.
(٤) - انباه الرواة للقفطي ٤/١٦٠ ترجمة ٩٤٢.
(٥) - غاية النهاية ١/٥٤٦ ترجمة ٢٢٣١.
(٦) - الذيل على الروضتين: ٧.