لا نستبعد إذن أن يكون دخول هذا النمط من التعليم بواسطة "الدراسة" أي القراءة الجماعية قد عرف في افريقية ابتداء من هذا العهد، وربما كان ذلك على يد إسماعيل بن أبي المهاجر في عهد ولايته أو بعد ذلك حين غادر الامارة في عهد يزيد بن عبد الملك الذي ولي الخلافة سنة ١٠١ هـ، ويوافق هذا العهد نفسه الذي يذكر أن يحيى بن الحارث الذماري ـ صاحب ابن عامر أحد السبعة القراء ـ قد أحيا هذه الدراسة فيه بمسجد دمشق، هذا إن لم تكن قد بقيت على مستوى محدود من زمن الصحابي الجليل أبي الدرداء (ت ٣٢).
على أنه لا مانع من أن تكون قد دخلت أيضا عن طريق العناصر الشامية التي كانت تتدفق على افريقية والأندلس دون انقطاع، ولاسيما على اثر القلاقل التي عرفتها البلاد الشامية في صدر المائة الثانية، أو في أثناء الحملات العسكرية الكبيرة التي كانت تخرج من هذه الجهات لنجدة بعض الأمراء.
ويذكر ابن عذاري وغيره أنه في دفعة واحدة "خرج مع كلثوم بن عياض اثنا عشر ألفا من أهل الشام سنة ١٢٣ على عهد هشام حين ولاه افريقية، كتب إلى والي كل بلد أن يخرج معه بمن معه"(١).
وإذا ثبت هذا أمكن لنا أن نرتب عليه آثاره الحتمية في وجود قراءة جامعة يقرأ القراء المجتمعون بها على هذا النمط الجديد الذي سموه بـ"الدراسة"، ولا يبقى لنا إلا أن نتساءل عن نوع القراءة المشتركة التي اجتمع ويجتمع على القراءة بها هؤلاء الدارسون، وعن الحدود المستعملة فيها؟؟.
قراءة ابن عامر الشامي بإفريقية:
الظاهر الذي تقتضيه طبيعة الأشياء بحكم ما قدمنا من عوامل أن تكون القراءة الشامية هي المرشحة وحدها لهذه الغاية يومئذ بحكم غلبة العناصر الشامية وكون الأمراء على افريقية والأندلس انما ينتدبون منها، ولمكان إسماعيل بن أبي المهاجر قارئا وواليا وواحدا من أعضاء البعثة العمرية.
قلت: لعل الشاطبي فعل ذلك اختصارا، أو أنه اختار الإجازة من هذه الطريق لأهميتها وعلوها كما سيأتي في إجازة النفزي له، وهذا نصها كما أثبته علم الدين السخاوي في "فتح الوصيد" نقتصر منه على مقدار الحاجة:
إجازة أبي عبد الله بن أبي العاص النفزي لأبي محمد القاسم بن فيره
ونورد فيما يلي القسم الأول من إجازة النفزي للشاطبي، وهو القسم المتعلق برواية ورش، نقلا عن نص الإجازة الكامل كما أثبته في كتابه "فتح الوصيد" في شرح الشاطبية للشاطبي صاحبه أبو الحسن علي بن محمد السخاوي ونثبت القدر المحتاج منه خاصة باعتباره نموذجا للإجازات العلمية التي كان يكتبها أو يمليها كبار المشايخ اعترافا للعارضين عليهم بتمام التأهل بعد فراغهم من إتمام القراءة عليهم، كما نعتبرها أيضا أقدم إجازة وقفنا عليها بنصها تشتمل على تفصيل أسانيد النفزي بالقراءات السبع في المائة السادسة(١).
أول الإجازة:
"الحمد لله الواحد الصمد، الذي لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفؤا أحد، هو الله الذي خلق الأنام بحكمته، وفطر السموات والأرض بقدرته، الأول بلا عديل، والآخر بلا مثيل، والأحد بلا نصير، والقاهر بلا ظهير، ذو العظمة والملكوت، والعزة والجبروت، الحي الذي لا يموت....
يقول محمد بن علي بن محمد بن أبي العاص النفزي المقرئ وفقه الله: