معنى ذلك أن المدار في هذا كان على قراءة إمام أهل الشام عبد الله بن عامر اليحصبي (ت ١١٨)، وهو شيخ إسماعيل بن أبي المهاجر كما يدل على ذلك هذا الخبر الهام الذي ذكره أبو زرعة الدمشقي في تاريخه قال: "وسمعت أبا مسهر(١)أو حدثت عنه عن عبد الرحمن بن عامر اليحصبي(٢)قال: قال لي إسماعيل بن عبيد الله:
"أخوك أكبر مني بخمس سنين قال: وعلى أخيك قرأت القرآن"(٣).
فهذا الخبر يدل دلالة صريحة على أن ابن أبي المهاجر كان من حملة القراءة عن إمام أهل الشام في القراءة فلا بدع اذن في أن يكون في طليعة من قام بنشرها في ولايته أو بعدها، وأن تكون هي المعتمدة في هذا النمط المستحدث في القراءة وهو أسلوب "الدراسة" على ما قوبل يه هذا النمط في بعض الأحيان من استهجان.
على أننا لا ننفي التأثير الذي كان يرد على المنطقة الافريقية من البلاد المصرية وغيرها بحكم الاحتكاك وقرب الجوار، ومن الجائز أن تسهم هذه الجهة أيضا في إدخال هذا النمط، اما تأثرا بما ظهر بالشام وفلسطين(٤)، واما بصفة تلقائية باعتبار "الدراسة" من الوسائل التعليمية الناجعة في استظهار القرآن أو استذكاره مخافة النسيان، وتدل جملة من الفتاوى التي عرضت على الإمام مالك بن أنس ـ رحمه الله ـ في شأنها على أنها كانت مستعملة بمصر.
فهذا صاحبه عبد الله بن وهب الذي روى عنه الفقه كما روى عن نافع القراءة ـ كما سيأتي ـ يقول له مستفتيا: "أرأيت القوم يجتمعون فيقرأون جميعا سورة واحدة حتى يختموها، ؟ فأنكر مالك ذلك وعابه وقال: ليس هكذا يصنع الناس، وانما كان يقرأ الرجل على الآخر يعرضه"(٥).

(١) - من الرواة عن نافع وسيأتي في أصحابه.
(٢) - هو أخو عبد الله بن عامر القارئ.
(٣) - تاريخ أبي زرعة الدمشقي ١/٣٤٤.
(٤) - ينظر في ذلك تاريخ دمشق ٢/٥٠ وتاريخ أبي زرعة الدمشقي ٢/٧١٣.
(٥) - نقله النووي في التبيان في آداب حملة القرآن ٥٧.

"ان صاحبنا أبا محمد قاسم بن فيره بن أبي القاسم الرعيني ـ حفظه الله وأكرمه ـ قرأ علي القرآن كله مكررا ومرددا، مفردا لمذاهب القراءة السبعة أئمة الأمصار ـ رحمهم الله ـ من رواياتهم المشهورة، وطرقهم المعروفة التي تضمنها "كتاب التيسير" و"الاقتصاد" للحافظ أبي عمرو المقرئ وغيرهما، وهم: نافع بن عبد الرحمن بن أبي نعيم المدني، وعبد الله بن كثير المكي، وأبو عمرو بن العلاء البصري، وعبد الله بن عامر الشامي، وعاصم بن أبي النجود الكوفي، وحمزة بن حبيب الزيات الكوفي، وعلي بن حمزة الكسائي الكوفي".
"فأما قراءة نافع من رواية ورش عنه، فقرأت بها القرآن كله وبغيرها من الروايات والطرق المضمنة في الكتابين المذكورين على الفقيه الأجل الشيخ المقرئ الإمام الأوحد أبي عبد الله محمد بن الحسن بن سعيد رحمه الله ـ قال: قرأت بها القرآن كله أيضا على الفقهاء الجلة الشيوخ المقرئين الأئمة أبي الحسن علي بن عبد الرحمن الأنصاري المعروف بابن الدوش، وأبي داود سليمان بن أبي القاسم الأموي(١) وأبي الحسين يحيى بن إبراهيم بن أبي زيد(٢) رحمة الله عليهم ـ قال: أخبروني بها عن الإمام الحافظ أبي عمرو عثمان بن سعيد بن عثمان المقرئ مؤلف الكتابين المذكورين، تلاوة منهم عليه ـ رضي الله عنه ـ بالأسانيد المذكورة فيهما للأئمة السبعة الموصولة إلى النبي ـ ﷺ ـ فأغنى ذلك عن ذكرها ههنا".
وقال لي: قرأت أنا أيضا برواية ورش على الشيخ أبي الحسين يحيى بن أبي زيد المذكور وعلى الفقيه الفاضل الإمام المقرئ أبي الحسن عبد العزيز بن عبد الملك بن شفيع ـ رضي الله عنهما ـ قال: قال أبو الحسن(٣):
(١) - المراد أبو داود سليمان بن نجاح صاحب أبي عمرو الداني.
(٢) - هو ابن البياز المرسي صاحب كل من مكي والطلمنكي وأبي عمرو.
(٣) - كذا والصحيح أبو الحسين وهو ابن البياز المذكور.


الصفحة التالية
Icon