ويظهر أن صلة أبي الحسن بن بري بالحياة العلمية في فاس كانت منذ أول زمن الطلب من حياته، وربما قبل تمام المائة السابعة بأكثر من عقد أو عقدين من الزمن، إذ لم يكن من المعروف أن ينبغ نابغ من أهل العلم في هذه الجهة دون أن يطمح به مستواه العلمي إلى السعي في استكمال دراسته على علماء القرويين وغيرهم من المتصدرين بها، ولا سيما ونحن نجد في جملة شيوخه مثل شيخ الجماعة أبي الحسن بن سليمان إمام مشيختها ورأس "المدرسة التوفيقية" بها، ومعنى هذا أنه قد درس بفاس وقرأ على من لقيه بها كابن المرحل وابن سليمان، وربما قرأ أيضا أو سمع من أبي عبد الله بن القصاب وأصحابه الكبار كأبي عمران بن حدادة وأبي عبد الله بن آجروم وسواهم من الأعلام.
وكثيرا ما نجد المترجمين له يعقدون الصلة بين انتقاله إلى فاس بصفة عامة، وبين انتدابه رسميا للكتابة بالديوان الخلافي، ويحكي أبو زيد بن القاضي قصة هذا الانتداب بعد تعريفه به فيقول :"وهو إذ ذاك كاتب الخلافة المعلومة بالمغرب، وكان قبل ذلك شاهدا عدلا في بلده، ويذكر أن سبب كتابته للملك أنه كان من طلبة تازة من عدولها رجل اسمه أبو مهدي عيسى بن عبد الله الترجالي، وكان قد قرأ على أبي الحسن البري، فلما ولي قضاء مدينة تازة صعب عليه أن يكون هو قاضيا، وأن يكون شيخه شاهدا يأتي إليه لأداء الشهادة ولغيرها مما يحتاج العدل فيه إلى القاضي(١)، فتسبب لكتابته للملك"(٢).

(١) - في مخطوطة "الفجر الساطع" بالخزانةالعامة برقم ٩٨٩" مما يحتاج العدل إليه"، والتصويب من غيرها.
(٢) - الفجر الساطع لوحة ٢.


الصفحة التالية
Icon