ولعله قبل هذا التاريخ كان يتهيأ للانتقال إلى فاس لما أحسه فيه من الحاجة إلى مثله بالإضافة إلى ما لقيه من الحظوة بالبلاط، وهذا لا يتنافى مع محافظته على المأمورية التي كانت موكولة إليه أعني تلقي الشهادات في سماط العدول بتازة كلما تردد عليها، إلى أن حدث ما حدث من الإحساس بالحرج من لدن تلميذه الترجالي حين ولي قضاء المدينة فشق عليه أن يكون شيخه في جملة من يأتيه للمصادقة على ما يتلقاه من شهادات فسعى له في وظيفة الكتابة الرسمية في ديوان السلطان، وكان ذلك في عام ٧٢٤هـ أي بعد أن أصبح الشيخ مكين القدر لدى حاشية السلطان، ذائع الصيت عند طلاب القراءة بفاس كما يدل عليه تنويه أبي عبد الله الخراز بأرجوزته كما سيأتي، فكانت السنوات السبع البواقي من حياة أبي الحسن مصروفة إلى هذا العمل الجديد، وهو عمل لا نظن أن في إمكانه أن يصرفه عن السير في الطريق التي رسمها ومهدها، أي في قيادة مسيرة القراءة الرسمية من خلال إنتاجه القيم فيها وما ظل يوليه من التحرير والتنقيح.
مكانته العلمية وشهادة العلماء له :
ولا يخفى أن الذي رشح أبا الحسن لإقتعاد كرسي الإقراء بجامع القرويين أعظم جامع في عاصمة البلاد، وبوأه المنزلة التي ذكرنا له حتى اختير لتأديب الأمير وإقرائه القرآن، ثم لتولي كتابة الديوان، إنما هو نبوغه وحذقه في القراءة والأدب وتفوقه في المؤهلات على غيره من الأعلام الذين تزخر بهم العاصمة في زمن كان سيل الوافدين عليها لا ينضب ولا ينقطع، ولقد وصفه عامة الذين ترجموه من شراح أرجوزته وأطنبوا في تحليته سواء منهم من عاصروه وغيرهم، فقال فيه الخراز :"الفقيه الأفضل الكاتب الأبرع الأكمل، اللغوي النحوي العروضي الفرضي(١).