وإذا تجاوزنا هذا الاختلاف بين النسخ فيما يرجع إلى الأبيات الثلاثة التي انفرد بها المطماطي، وفي البيت الذي اعتمده كثير من المتأخرين أعني قوله: "وقال أيضا سمح الله له وزاده رشدا وزكى فعله، فإننا نجد الرواة الرواد الذين سمعوا منه الأرجوزة قد اختلفوا عنه أيضا ببعض الزيادات والتحويرات لطائفة مهمة من الأبيات نبه على عدد وافر منها الشراح في شروحهم، ولعل السبب المباشر في هذه الظاهرة إنما يرجع إلى طول اشتغال الناظم نفسه بالنظر في أرجوزته وإجراء بعض التعديلات والاستدراكات في مواضع منها، وقد اختلفت تبعا لذلك نسخها المروية عنه وتعددت رواياتها تبعا لزمن سماع الذي رواها عنه، بل أن بعض النسخ التي لوحظ فيها الخلاف هي بخظ الناظم نفسه(١).
وسيأتي أن بعض أصحابه كان ربما نبهه على بعض المآخذ فيها فيبادر إلى تفاديها بتعديل الصياغة على وجه آخر، وربما قام هذا الصاحب بالتعديل المناسب فأقره عليه، وغالب ذلك إنما يتعلق بالألفاظ.
وقد عني طائفة من الشراح بالتنبيه على ما بين أبياتها من اختلاف وعزو كل وجه منها إلى ناقله، بل بلغوا في تمحيص الروايات أن نقلوا عنه كيفية ضبط أواخر بعض الكلم حسب الإعراب. وأهم ما وصلنا من الشروح التي استكثرت من ذلك شروح المنتوري وابن المجراد وابن القاضي ومسعود جموع.
وأهم الروايات التي تقع الموازنة بينها غالبا هي الاربع التالية:
- رواية الحضرمي - رواية المكناسي - رواية البلفيقي - ورواية ابن مسلم(٢).
وكلهم سمع الأرجوزة من الناظم مباشرة، إلا أن بعضهم أحدث سماعا من بعض، ورواية البلفيقي هي الأخيرة كما ذكر المنتوري في شرحه، والروايات الثلاث المذكورة أولا هي التي أجرى المنتوري وابن القاضي وغيرهما المقارنة بينها، ولم يذكروا من خلاف رواية ابن مسلم لهم إلا قليلا.

(١) سيأتي ما يدل على ذلك من كلام الشراح.
(٢) سيأتي التعريف بأصحاب هذه الروايات عن قريب.


الصفحة التالية
Icon