قيمة أرجوزة الدرر اللوامع وعمل ابن بري فيها:
إذا كانت قيمة أي عمل علمي إنما تتجسد غالبا في مقدار ما أسدى من نفع وما خلف وراءه من صدى، فإن هذه الأرجوزة قد بلغت الذروة من ذلك في زمنها وبعده إلى اليوم، وذلك بشهادة عامة من تداولوها أو تناولوها بالشرح، أو من نظموا على منوالها مستدركين أو شارحين أو مفصلين.
ويكفي في إدراك قيمتها الرفيعة أنك لا تكاد تجد إلى زمننا هذا قارئا للقرءان في الأقطار المغربية لا يعرفها أو يحفظ منها شواهد إن لم يحفظ جلها أو كلها، لا سيما المتعاطين للقراءة المتمرسين بالإقراء.
وقبل أن نتوقف معها لإبراز أثرها في الساحة وأن نتتبع إشعاعها العلمي عبر العصور نقف مع ناظمها في أهم العناصر والمقومات التي أعطت لأرجوزته هذه القيمة وخصتها عند المغاربة وغيرهم بكل هذا الاهتمام، وهذه أبرز تلك العناصر والمقومات:
١- في إفراده لقراءة نافع بهذه الأرجوزة عن غيرها من باقي القراءات التي نظم فيها غالب من تقدموه، فكان بذلك في عداد الرواد الأول الذين وضعوا أسس المدرسة المغربية في المغرب الأقصى في هذه القراءة.
٢- في اقتصاره من الروايات المشهورة عن نافع على روايتي ورش وقالون.
ولقد رأينا في مؤلفاته تأليفا آخر في الروايتين بعنوان "القانون في روايتي ورش وقالون"، وهذا يعكس لنا مقدار اهتمامه بهاتين الروايتين وتقديره لحاجة المتعلمين فيهما إلى وجود تآليف موجزة خاصة بهما تضبط ما بين روايتيهما من أوجه الوفاق والخلاف، فألف في ذلك تأليفا نثريا وآخر منظوما.


الصفحة التالية
Icon