والتقديم بلا شك يؤذن بالشفوف وزيادة الاهتمام، إذ يبدو أنه إنما أراد بأرجوزته تقريب القراءة من الرواية والطريق التي عليها المدار في "القراءة الرسمية" عند المغاربة لمسيس الحاجة إليها، وإنما ذكر رواية قالون معها لمزيد من الضبط وللتنبيه على بعض الأوجه الأخرى المقروء بها لنافع.
ولقد غفل عن هذا المعنى بعض الشراح كالإمام المارغني من أهل تونس حيث يجري الأخذ لنافع عادة برواية قالون أولا كما قدمنا، فقال متعقبا له: "كان الأولى للناظم أن يقدم قالون في الذكر على ورش، لأن الداني الذي سلك الناظم طريقه – كما يأتي – قدمه في "التيسير" وتبعه "الشاطبي" وغيره، ولذا جرى عملنا بتونس بتقديمه على ورش في الإفراد والجمع"(١).
هكذا أراد أن يلزم الناظم بما لا يلزمه، لأن التلاوة والتعليم في الكتاتيب تجري على رواية ورش في جميع المغرب والأندلس منذ دخول القراءة كما قدمنا، وإنما أخذ أهل إفريقية وبعض بلاد الجريد برواية قالون في وقت متأخر، وكيف وهذا صاحبهم أبو الحسن الحصري ينعي على من أرادوا تجاوز هذه الرواية إلى غيرها قبل تمام الأهلية فيها في قوله:
ولم أرهم يدرون ورشا قراءة | فكيف لهم أن يقرأوا لأبي عمرو |
أعلم في شعري قراءة نافع | رواية ورش ثم قالون في الإثر |
وأما قول ولده الشيخ عبد الواحد بن إبراهيم المارغني في تعقيب له على رسالة لوالده مشيرا إلى ترتيب القراء في حالة الجمع والإرداف: "فإذا اجتمعوا كلا أو بعضا في كلمة واحدة من الآية المروية جمعا قدم صاحب الرتبة، وأول رتبة قالون عن نافع لكونه مدنيا عن مدني، ولذلك وجه وجيه، كما لا يخفى على تحرير نبيه"(٢).
(٢) هامش النجوم الطوالع ٧٤.