ولقد ساعد على شهرتها وترامي ذكرها وروايتها في الأقطار تفرق أصحاب ابن بري في مختلف الأقطار وتصدرهم بها لإفادتها كما رأينا عند صاحبه أبي الحجاج المكناسي الذي كان يقوم على تدريسها بـ"المدرسة اليوسفية" بغرناطة، وكما ذكر المنتوري في صدر شرحه من تفقهه في "الرجز" قديما على شيخه أبي عبد الله القيجاطي يعني بالأندلس، وعلى نحو ما حدث بها أيضا الشيخ ابن غازي من طريق شيخه الصغير عن أبي عبد الله السلوي عن أبي شامل الشمني قال: "أخبرنا بها الشيخ الصالح أبو عبد الله الماغوسي السلوي بقراءتي عليه بالإسكندرية، أخبرنا أبو عبد الله محمد بن شعيب بن عبد الواحد بن الحجاج المجاصي بقراءتي عليه بمدينة تازة، أخبرنا ناظمها"(١).
أما أثرها في مدينة فاس فلا يمكن تقديره، وربما قيل ذلك في مثل تارة وما حولها حيث ينتشر تلامذه ناظمها ويتصدرون. ويذكر أبو زيد بن القاضي في باب الراءات من شرحه عليها أن هذا الباب "مما غلط فيه كثير من الأستاذين والأئمة ولم يحيطوا به - يعني في مؤلفاتهم - قال: "وأحسنها ما في التيسير، ثم تبعه صاحب الحرز: ثم الناظم قال: وكان الناس بفاس يقرأون حرف نافع من الحصرية قبل قدوم الناظم إليها وقبل قدوم تأليفه حتى باب الراءات" فيقرأونها من الحرز".
ومعنى هذا أن المقرئين قد وجدوا في هذا الرجز ضالتهم مما يفي بحاجتهم في أصول الأداء، وينسجم مع الاتجاه الفني الذي يؤدون القراءة عليه، مما أغناهم عن التنقل بين الحصرية وحرز الأماني، وأغنى المشايخ عن التماس العذر للطلبة في التنقل بين القصيدتين تجنبا لما في القصيدة الحصرية من المذاهب الخاصة الموافقة للمدرسة القيروانية وأئمتها.

(١) فهرسة ابن غازي ٤١. والماغوسي المذكور هو محمد بن محمد بن أحمد الماغوسي السلاوي نزيل الإسكندرية وبها توفي أوائل ٨٠٠هـ ترجمته في توشيح الديباج لبدر الدين القرافي ٢٣٢ ترجمة ٢٤١.


الصفحة التالية
Icon