ولقد كان الناظم بتصدره لإقراء هذه الأرجوزة بجامع القرويين من فاس في صدر العقد الثاني من المائة الثامنة يؤسس لأرجوزته عهدا ذهبيا زاهرا طويل الأمد تعاقب فيه على تدريسها هنالك بعده فحول المشيخة حتى غدا متنها أحد المتون العلمية الداخلة في البرامج الرسمية ضمن ما كان يعرف عندهم بالكراريس أي مواد الدراسة. وسيأتي عند حديثنا عن نشأة الكراسي العلمية لتدريس بعض الفنون بالقرويين كيف كان كرسي الدرر اللوامع يتصدر هذه الكراسي، وكيف وقفت له أوقاف خاصة ينتفع بريعها القائمون على تدريسها في مواعد محددة ومنتظمة.
ولقد ترامت العناية بالأرجوزة إلى كل مكان، وعكف على حفظها وروايتها الكبار والصغار، واشتغل بتدريسها وشرحها العلماء والقراء، كما نظم عليها الجم الغفير محتذيا أو متمما ومكملا أو مستدركا ومشهرا أو منظرا ببعض الروايات الأخرى عن ورش أو عن نافع بكامله، وأول ما نريد أن نقف عليه مع القارئ الكريم تلك العناية التي تمثلت في الشروح العلمية التي ظهرت عليها عبر العصور وفي مختلف الجهات والأقطار.
الشروح التي ظهرت على الدرر اللوامع لابن بري عبر العصور مع تعريف موجز بما وقفت عليه منها:
لم تحظ في نظرنا قصيدة أو أرجوزة في علوم القراءة شرقا وغربا بمثل ما حظيت به الآثار المغربية الثلاثة: "حرز الأماني" في القراءات السبع للإمام الشاطبي، ومورد الظمآن في الرسم لأبي عبد الله الخراز الشريشي، والدرر اللوامع في أصل مقرأ الإمام نافع لأبي الحسن بن بري.
والملاحظة الأولى التي تشترك فيها هذه الآثار الثلاثة هي أن العناية بها لم تنقطع منذ ظهورها إلى اليوم، ولم تقتصر على تلامذه مؤلفيها ولا على أهل زمانهم، ولا على الجهات التي ظهرت فيها وحدها.


الصفحة التالية
Icon