كان أبو الحسن بن سليمان القرطبي في المدرسة المغربية في زمنه "شيخ الجماعة" وأستاذ العصر، تجمع فيه ما تفرق في غيره، فكان أديبا نحويا فقيها محدثا مسندا، إلى جانب كونه مقرئا إماما متقنا ناقدا ومحررا، وقد امتاز عن علماء عصره في المغرب بالحرص التام على توثيق الروايات، فكان من أحفلهم بالأسانيد، ولذلك نجده يجيز عامة من قرأوا عنه ويكتب لهم أسانيده، وربما أجاز للواحد منهم أكثر من مرة كما سوف نرى مع أبي عبد الله بن عمر، محافظة منه على اتصال الرواية بالقراءة والسماع من الأئمة الحفاظ عن أمثالهم، وتسلسلها أيضا بالمصنفات الأمهات المعتمدة في علوم الرواية على العموم وعلوم القراءة على الخصوص، وقد كان شعاره في هذا الصدد ما رواه أبو زكريا السراج في فهرسته قال: "وحدثني القاضي أبو البركات والفقيه أبو عبد الله الرعيني والقاضي المقرئ أبو محمد عبد الله بن مسلم القصري وقاضي الجماعة الخطيب أبو عبد الله محمد بن أحمد بن عبد الملك الفشتالي وغيرهم(١) قالوا: "أخبرنا الأستاذ القرئ أبو الحسن علي بن سليمان الأنصاري القرطبي سماعا للأول وإجازة للآخرين قال : سمعت القاضي أبا علي بن أبي الأحوص يقول: سمعت الخطيب أبا الربيع سليمان بن موسى الكلاعي(٢) يقول... وذكر السند إلى يزيد بن زريع(٣) قال: "لكل دين فرسان، وفرسان هذا الدين أصحاب الأسانيد"(٤).

(١) - ستأتي تراجمهم في أصحابه.
(٢) - هو أبو الربيع سليمان بن موسى بن سالم الكلاعي الحافظ خطيب بلنسية، قرأ على أصحاب ابن هذيل بالسبع ولم يتفرغ للإقراء قتل شهيدا سنة ٦٣٤- ترجمته في غاية النهاية ١/٣١٦ ترجمة ١٣٩٠.
(٣) -هو أبو معاوية من قبيلة تيم الله من أورع أهل البصرة وأتقتهم مات سنة ثنتين أو ١٨٣هـ مشاهير علماء الأمصار لمحمد بن حبان البستي ١٦٢ ترجمة ١٢٦٠.
(٤) - فهرسة السراج المجلد ١ لوحة ١٣.


الصفحة التالية
Icon