ومما ذكر في هذا النص عن شيخه ابن عبد الكريم تتبين منزلة الشيخ في فقه مسائل الخلاف الدقيقة، كما يتبين من إيراده لمذهب أبي الحسن بن سليمان وتعبيره عن مذهبه واحتجاجه له بلفظ "زعم" أنه كان في انتمائه الفني يميل إلى مدرسة ابن بري، ولقد مر بنا مذهب ابن سليمان المذكور فيما ذكرناه له من كتابه "تبيين طبقات المد وترتيبها" في العدد الماضي، وهو المذهب الذي بسطه في "التجريد" كما قال. وهو ينقل عن "التجريد" لابن سليمان في مواضع أخرى منها عند ذكر الخلاف بين الأئمة أبي عمرو ومكي وابن شريح في مد "سوءات"، حيث نقل الخلاف مفصلا ثم قال: "صح من التجريد"(١).
ومن نقوله عن "التجريد" أيضا ما ذكره عند قوله: "ومد للساكن في الفواتح"(٢).
ومنها ما نقله عند قوله:

وقف بنحو سوف ريب عنهما بالمد والقصر وما بينهما
حيث قال: "فاعلم أن في ذلك ثلاثة أوجه كما ذكر الناظم: الأول الإشباع ذكره الحافظ وجعله مرجوحا، والتوسط ذكره أيضا واختاره اقتداء بأهل الأداء، والقصر وهو مذهب الشيخ والإمام، وهو الذي رجحه ابن سليمان للحافظ فقال: "وبه قرأت في طرائقهم الثلاثة"(٣).
ولا يتسع المجال لمزيد من الأمثلة على ما تضمنه هذا التقييد من فوائد ونقول، وهي على قلتها مفيدة في بابها، وعلى الخصوص في معرفة اتجاه المدرسة الفنية الأخرى التي عايشت مدرسة أبي الحسن بن بري بفاس، أعني المدرسة "التوفيقية" التي رأينا في العدد الماضي كيف مثلها أبو الحسن بن سليمان في زمنه أحسن تمثيل.
(١) المصدر نفسه ٧٠-٧١.
(٢) المصدر نفسه لوحة ٧٣.
(٣) المصدر نفسه ٧٤.


الصفحة التالية
Icon