وبعد فهذا الكتاب قصدت فيه إلى ترتيب الأداء، وبيان الجمع بين الروايات، لما رأيته لمنتحلي الإقراء في زماننا وما قبله من ارتكابهم ما نهى عنه السلف ومن تبعهم من عالمي الخلف في الجمع بين الروايات، من تقطيع حروف القرآن، والإخلال بنظمه ومعنى الإعجاز فيه، وتخليط الروايات بدخول بعضها في بعض، لأنهم بكررون الكلمة الواحدة من القرآن، لاختلاف الروايات فيها في نفس واحد، ولا يفصلون بينها بوقف ولا سكت، ولا يعتبرون تعلقها بما قبلها ولا بما بعدها، فيفرقون بين العامل والمعمول، والتابع والمتبوع، والصلة والموصول... وأشباه ذلك، فيقرؤون قوله تعالى: "وهو على كل شيء، شيء، "شيء قدير"، فينطقون ب"هو" محرك الهاء ثم مسكن الهاء، و ب"شيء" الأول بالمد لورش، وبشيء الثاني بالقصر لقالون ومن وافقه، وبشيء الثالث بالسكت لحمزة، وكل ذلك في نفس واحد من غير سكت ولا فصل شيء منه عن شيء، وكذلك ما أشبهه من الحروف".
"وحملهم على ذلك طلب الاختصار وعدم التكرار لما لا خلاف فيه بين القراء، فوقعوا فيما لا يجوز ولا يقول به أحد من علماء القراء من سلف الأمة، إذ لا فرق بين تلاوة القرآن برواية واحدة أو بروايات، فكما يتحرز في التلاوة برواية واحدة من الوقوع في شيء من المحذورات التي ذكرنا، كذلك يتحرز في التلاوة في الجمع بين الروايات، وذلك النوع من الاختصار الذي سلكوا، فيه الإخلال بنظم كل القرآن ومعنى الإعجاز فيه، وتخليط الروايات بدخول بعضها على بعض في نفس واحد... "
ثم قال مصححا لفظ التلاوة في الجمع والإرداف: "وإنما الذي يجوز في تلاوة تلك الآية لمن يقرأ بالجمع الكبير أن يقرأ بها كلها لورش بالترتيل على طبع قراءته وتحريك "هو" ومد "شيء"، ثم يقرؤه لقالون ومن وافقه بالحدر على طبع قراءته، وإسكان "هو" وقصر "شيء"، ثم يقرؤه لحمزة بالترتيل على طبع قراءته أيضا، وتحريك "هو" والسكت على "شيء"".


الصفحة التالية
Icon