وعلى الرغم من الأهمية البالغة التي يكتسيها هذا الإمام الفذ في تاريخ المدرسة المغربية بحيث لا تكاد تجد مشيخة ولا فهرسة للمتأخرين منذ المائة الثامنة إلا وجدته قطب الرحا في أسانيدها وطرقها المقروء بها، فإن المعلومات المذكورة عنه في كتب التراجم لا تروي غلة الباحث، إذ نجد الذين ألموا بترجمته على قلتهم يمرون بحياته مرورا عابرا دون أن يعنوا بتفاصيل دراسته ومشيخته وفنونه، مكتفين بجملة من التحليات المجملة الجاهزة، غير ملتفتين إلى ذكر ما كان له من صيت ذائع وتأثير بليغ في رسم المسار الفني "للمدرسة النافعية" المغربية التي اختصت بما يعرف عند المغاربة خاصة ب"العشر الصغير"، كما كان له أيضا قدم راسخة فيما يعرف عندهم ب"الجمع الكبير"، وهم بالتالي لا يذكرون في ترجمته من أصحابه المشاهير ما يكشف عن أهميته وينطق بإمامته، بله أن يعتنوا ببيان ما وراء ذلك من مذهبه الفني وانتمائه المدرسي في هذا العلم.
وهذا بعض ما حدا بي إلى تخصيص هذا البحث له ولمدرسته محاولة مني لإنصافه بقدر الإمكان بجمع ما تناثر من أخباره، وذكر ما تفرق من آثاره، وتفصيل ما أجمل من ذكر مشيخته وأصحابه والتنبيه على أهم ما يذكر من رواياته ومروياته، مع الإشارة إلى ما قد ينكشف لنا من خلال ذلك من اتجاهاته ومذاهبه واختياراته في إطار المنحى الفني الذي ينحو إليه، ويستمد منه بعض ما نقف عليه من تلك المذاهب والاختيارات، وهذه ترجمته الموجزة كما لممنا أطرافها من المصادر التي توافرت لنا :
الفصل الأول:
أبو الحسن بن سليمان رائد المدرسة
التوفيقية بفاس.
ترجمته :
هو أبو الحسن علي بن سليمان بن أحمد بن سليمان الأنصاري القرطبي نزيل فاس وشيخ الجماعة بها.
ترجم الحافظ ابن الجزري في غاية النهاية وقال فيه "مقرئ فاس"، وسمى كبار مشيخته وبعض أصحابه وآثاره(١).

(١) - غاية النهاية ١/٥٤٤ ترجمة ٢٢٢٩.


الصفحة التالية
Icon