ولقد كان لما أوتيه من الحدق في القراءات وما وهبه من ملكة فيها كما ذكر ابن خلدون أثر كبير في ترشيحه لهذه المهمة، هذا إلى جانب ما منحه الله إياه من طيب النغمة بالقراءة، وهما أمران نادرا ما يجتمعان.
ولقد نوه كل من ترجموا له بهاتين الخاصيتين، وعبروا بالمخالطة والسماع عن مبلغ انبهارهم بما أعطيه من ذلك، ولا سيما ما ذكروا عنه من حسن الأداء الذي أعانه عليه - كما عبر ابن خلدون - "صوت من مزامير آل داود".
ولقد نبه على ما أوتيه من ذلك أيضا خلفه في مجالس المرينيين أبو عبد الله محمد بن مرزوق الخطيب(الجد) الذي ألف عن حياة أبي الحسن المريني كتابه المشهور "المسند الصحيح الحسن في مآثر مولانا أبي الحسن"، فكان مما قال فيه عن المترجم :
"ثم لزم الحضرة أخيرا الأستاذ العلامة أبو العباس الزواوي الشهير، الذي لم ير في عصره أطيب منه نغمة ولا أحسن منه صوتا ولا أنداه، لا تملك النفوس ولا الشؤون(١) عند سماعه، هذا مع إتقان الضبط وإحكام الروايات وعلو السند، يسرد القرءان مع الغاية في إخراج الحروف من مخارجها، وتوفية أدوات القراءة"(٢).
وقال في مكان آخر منه :
"كان آية من آيات الله عز وجل، لم أر في المشرق والمغرب نظيرا له، ولا رأيت من رأى مثله(٣).. ثم ذكر أن له تصانيف في علم القراءات والعربية نظما ونثرا"(٤).
ولقد تخرج عليه في فن التجويد قارئ كبير خلفه في هذا الصدد في مجالس الأمراء ومساجدهم هو أبو عبد الله محمد بن قاسم بن أحمد بن إبراهيم الأنصاري المعروف بالشديد (على بنية التصغير).

(١) - يعني الدموع.
(٢) - المسند الصحيح الحسن ١٢١.
(٣) -المصدر نفسه ١٣٦-١٣٧.
(٤) -نفسه ١٣٦-١٣٧.


الصفحة التالية
Icon