قال فيه ابن الخطيب: "من أهل الطلب والذكاء والظرف والخصوصية، مجموع خلال، من خط حسن واضطلاع بحمل كتاب الله، بلبل دوح السبع المثاني، وآية صقعه في الصوت وطيب النغمة... ثم ذكر من مشيخته أنه "قرأ على المقرئ الفذ الشهير في الترنم بألحان القرءان أبي العباس الزواوي سبع ختمات"(١).
ولقد سارت بذكر الزواوي الركبان في كل مكان، وغدت طريقته في التجويد والأداء مضرب الأمثال، وربما بقي أثره في فاس والجهات التابعة لها عدة أجيال.
ولقد ذكر الأمير أبو الوليد إسماعيل ابن الأحمر في هذا الصدد قصة طريفة لها دلالتها، وتتعلق بقارئ مسكين يظهر أنه كان يتعاطى شيئا من التجويد ويحاول محاكاة نمط الشيخ أبي العباس، فنصب نفسه بتازة ضحكة للناس، يقول أبو الوليد في ترجمة الفقيه العدل محمد بن أحمد بن إبراهيم بن موسى الكومي :
"وأخبرني- رحمه الله تعالى- أنه اجتمع ببلدة تازة مع الفقيه ابن الملون وعبد الحق الزيات في بستان لنزهة، فتذاكروا أمر رجل من أهل تازة يتشبه بالفقيه الأستاذ المقرئ أبي العباس أحمد بن محمد بن علي الزواوي في قراءته وملبسه وعمته(٢)، فأنشد أحد الرجلين على لسان المتشبه :
أنا"الزواوي" وهذا مكتبي... لحرفة التعليم والتأدب
لا أمنع التعليم من يرغبه... وأجدر العلم الذي لم يرغب
إلى أخر القطعة(٣).

(١) - الإحاطة ٣/١٩٦-١٩٧ وستأتي ترجمته في أصحابه.
(٢) -يعني في لبسه العمامة.
(٣) -القطعة في "نثير الجمان" لابن الأحمر المنشور تحت عنوان :"أعلام المغرب والأندلس" ٤٣٢-٤٣٣، وتمامها
عندي-فديت- لحية طويلة... سوداء تحكي لحية المكتئب
وشارب يجري لمايي تحته... كالماء يبدو من خلال الطحلب
وحاجبان أكحلان أقترنا... خلتهما بعض حواشي الحجب
وعمة كبيرة هائلة... كهالة قد أحدقت بكوكب
يقول بعض الناس فيها أصطب... والله ما في عمتي من أصطب
وطيلسان حسن خلفه... من بعده بعض قضاة المغرب
ودرة كذنب السرحان في... طول وفي عرض وفي تقلب
تلحق سوطي من غدا مقتربا... وتلحق الكرة من لم يقرب
لا غضب يميل بي ولا رضا... إني لممزوج الرضا بالغضب
قال : وزاد عليها صاحبنا أبو عبد الله :
وفي الرقى عندي كلام عجب... نقلت ذاك من صحيح الكتب
كم بيضة للفطم قد كتبتها... وكم رقيت من نفاس صعب
فسهلت عسر النفاس رقوتي... وبيضتي قد فطمت كل صبي
هكذا قال :"ورقوتي"، والمعروف "الرقية لأنه يائي.
وقد حققه لفظ "أصطب "في البيت أعلاه بأنه :"مشاقة الكتان".


الصفحة التالية
Icon