إذا كان كل من الشيخين أبي عبد الله بن القصاب وأبي الحسن بن سليمان قد مثلا كل من جانبه في قراءة الإمام نافع بن أبي نعيم المدني، أصول مدرسة فنية واضحة المعالم قائمة البنيان، وكانت كل مدرسة منهما قد أثمرت لنا شخصيات رفيعة الشأن عالية المستوى في القيام على قراءة إمام دار الهجرة في القراءة من روايتي راويي قراءته المشهورين : أبي سعيد عثمان بن سعيد ورش، وأبي موسى عيسى بن مينا قالون من أشهر الطرق عنهما- كما مر بنا- مما أمكن معه لنا أن نعتبره أهم التيارات العلمية القوية التي صبت في المجرى العام الذي انتظم واحتوى ذلك العباب الزاخر من النشاط الذي تدفق في هذه القراءة تلاوة وأداء ورسما وضبطا وتأليفا نظما ونثرا خلال الطور الأول والثاني من تاريخ ازدهار المدرسة المغربية في أيام الدولة المرينية أي في أواخر المائة السابعة وأول الثامنة فما بعد ذلك، فإن إماما فذا من خيار هذا الرعيل قد عاصرهما وأفاد من هذا المد الثقافي الطامي الذي أسهما واسهم معهما رجال مدرستيهما في دفعه، ذلك هو أبو الحسن بن بري عميد الاتجاه "الرسمي" في قراءة نافع في زمنه وممثل "المدرسة الأثرية" فيه، وصاحب أسير أرجوزة في هذه القراءة احتلت الساحة واستقطبت أهم ما كان يدور فيها من نشاط في البحث والتأليف والتنظير والتوجيه.
وسنحاول في هذا العدد استعراض أهم معالم هذه الشخصية الجليلة واستكشاف معالم آثارها في وضع أصول المدرسة "الرسمية" في القراءة العامة بالمغرب، استنادا إلى أهم ما بلغنا من آثارها وما قام حولها من نشاط علمي في مختلف العصور.
الفصل الأول:
أبو الحسن بن بري: ترجمته ومكانته وآثاره العلمية
ترجمته ومكانة مدينة تازة مدرج صباه وموطنه الأصلي :


الصفحة التالية
Icon