وقد أفادت المدينة أيضا من العامل الآنف الذكر أعني من هجرة العلماء إليها من الأقطار وخاصة من الأندلس حيث حل بها طائفة من العلماء والقراء كان منهم أبو الربيع بن حمدون الشريشي شيخ ابن بري في قراءة نافع وغيره كما سوف نرى في مشيخة محمد بن شعيب المجاصي وغيره، مما أسهم بنصيب وافر في إنعاش الحياة العلمية بها.
شيوخه :
ولسنا ندري الكثير من المعلومات عن أبي الحسن بري وعلاقته بالحياة العلمية بتازة في مراحله الأولى وحتى الوسطى من حياته التي امتدت قرابة سبعين عاما، سواء منها ما يتعلق ببيته وأسرته ومستواهم في العلم، أم ما يتعلق بمشيخته الأولى وتنقلاته في الطلب، وهي أمور تدل بقايا من أخبارها وآثارها على أنها كانت جديرة بالتتبع والتدوين، لا سيما وأننا سوف نجده في المرحلة المتأخرة من عهد الطلب قد أخذ عن الأكابر، وتأهل للجلوس إلى العلية من أهل العلم والرواية، وهو أمر لم يكن يتاح الإقدام عليه إلا للنابغين ممن ترقوا إليه بطول المدارسة ومثافنة الشيوخ.
ومن الغريب أن نجد المصادر التي أرخت لأبي الحسن لا تذكر من مشيخته إلا الشيخ أبا الربيع بن حمدون الذي صرح بروايته عنه في أرجوزته حيث يقول :
حسبما قرأت بالجميع... عن ابن حمدون أبي الربيع"
وهذا تقصير شنيع في حق إمام كبير كأبي الحسن، بل في حق تاريخ المدرسة المغربية في القراءة بوجه عام، وذلك لما له فيها من مكانة خاصة يمكن اعتباره معها قيدوم قراء المغرب في زمنه وعميد الاتجاه الأثري في المنطقة وهو "المذهب الرسمي" الذي كان ابن بري رأس الطبقة التي تصدرت لرسم خطوطه ومعالمه، وكان عمله نبراسا هاديا من بعده لكل آخذ ب"مقرأ نافع" كما سيأتي لنا تمثل هذه الحقيقة من خلال أرجوزته العصماء وما قام حولها من نشاط.