ففي هذه الآية الكريمة يلفت الله تعالى أنظار الناس إلى أنه: قد جاءتكم موعظة من ربكم تذكركم عقاب الله وتخوفكم وعيده، وهي القرآن وما اشتمل عليه من الآيات والعظات لإصلاح أخلاقكم وأعمالكم، وفيه دواء لما في القلوب من الجهل والشرك وسائر الأمراض، ورشد لمن اتبعه من الخلق فينجيه من الهلاك، جعله سبحانه وتعالى نعمة ورحمة للمؤمنين، وخصهم بذلك؛ لأنهم المنتفعون بالإيمان، وأما الكافرون فهو عليهم عمى (١).
وقال تعالى في موضع آخر من كتابه الكريم مؤكداً شفاء كتابه الكريم لأمراض الناس وعللهم: ﴿وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَاراً﴾ (الإسراء: ٨٢).
يقول الحافظ ابن كثير رحمه الله في إيضاح المقصود بهذه الآية الكريمة:
((يقول تعالى مخبراً عن كتابه.. إنه شفاء ورحمة للمؤمنين أي: يذهب ما في القلوب من أمراض من شك ونفاق وشرك وزيغ وميل، فالقرآن يشفي من ذلك كله، وهو أيضاً رحمة يحصل فيها الإيمان، والحكمة وطلب الخير والرغبة فيه، وليس هذا إلا لمن آمن به، وصدقه، واتبعه، فإنه يكون شفاء في حقه ورحمة، وأما الكافر الظالم نفسه بذلك فلا يزيده سماعه القرآن إلا بعداً وكفراً، والآفة من الكافر لا من القرآن (٢)) ).
وأخرج الإمام البخاري في صحيحه عن عائشة رضي الله عنها: أنَّ رسول الله ﷺ كان إذا اشتكى يقرأ على نفسه بالمعوذات وينفث، فلما اشتد وجعه كنت أقرأ عليه وأمسح بيده رجاء بركتها (٣).
(٢) تفسير ابن كثير ٣/٥٩.
(٣) صحيح البخاري ٣/٣٤٤ كتاب فضائل القرآن، باب فضل المعوذات (رقم ٥٠١٦).