إنزال الكتب من السماء، وقريش والعرب قاطبة كانوا ينكرون إرسال محمد ﷺ لأنه من البشر" (١).
بل إن المستشرق تيودر نولدكه في كتابه "تاريخ القرآن" والذي يتمسك كاتب المقال بأقواله ويعده عمدة في ترتيب النزول - يجعل السورة مكية وليست مدنية (٢)، كما يقول كاتب المقال. ومن ثم فالخطاب هنا لقريش، لا لليهود الذين وصفتهم الآية بأنهم يخفون بعض أجزاء التوراة لغرض في نفوسهم، وليس لإبعادها عن عين محمد ﷺ كي لا يقتبس منها، كما يزعم الكاتب.
حتى ولو كان الخطاب موجهاً إلى اليهود - كما اختاره بعض العلماء والمفسرين - فالمعنى هو هو، ولا يحتمل غيره. ولقد ورد الخطاب بالمعنى نفسه إلى اليهود في سورة مدنية هي المائدة ١٥ ﴿يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيراً مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ﴾ وفي سورة البقرة ١٧٤: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ الْكِتَابِ﴾، وفي المائدة أيضاً ٦١ ﴿وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا كَانُوا يَكْتُمُونَ﴾، ويبين القرآن في الآية الواردة في سورة البقرة ١٧٤ نفسها هدف اليهود من إخفاء جانب كبير من "الكتاب" ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ الْكِتَابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً﴾ فهذا هو هدفهم على نحو ما حدده القرآن نفسه، وما كان ينبغي لكاتب المقال وقد ألزم نفسه باتباع منهج النقد الأدنى بالتعمق في دراسة النص وكشف غموضه

(١) مختصر ابن كثير: ٥٩٨: ١.
(٢) انظر: المقال نفسه في دائرة المعارف الإسلامية.


الصفحة التالية
Icon