ومع أن الآيات التي أشار إليها الكاتب من سورة الأنعام قد نزلت بمكة، وأن الخطاب فيها " لأهل مكة " (١) فإنه يريد أن يبين أن هذه الشكوى المزعومة قد تمت بالمدينة وأن محمداً ﷺ قد استجاب لأتباعه الذين تلاقت إراداتهم مع إراداته بإنشاء مجتمع إسلامي متميز بالمدينة، يقول الكاتب" إن إنشاء مجتمع إسلامي مستقل بالمدينة متميز عن أهل الكتاب كان مرهوناً بالإتيان بكتاب إسلامي مقدس منفصل، يؤدي دوره كفرقان لتثبيت حقيقة الكتب المقدسة السابقة (٣: ٣، ١٠٥: ٤، ٤٨: ٥إلخ).
ونقول للكاتب: أيهما أسبق في الوجود: نزول القرآن أو إنشاء المجتمع الإسلامي بالمدينة؟ فالكاتب يريد أن يعكس القضية فيبين أن القرآن إنما جاء استجابة لحاجة ذلك المجتمع إلى دستور خاص به يميزه عن أهل الكتاب، أي أن وجود المجتمع الإسلامي سابق على نزول القرآن، وهذا زعم سخيف لا يحتاج إلى أدنى التفات.
على أن الفرقان لم ينزل لمجرد التأكيد على أن كتباً قد أنزلت من قبل هدى للناس فحسب وإنما لكي يهيمن على تلك الكتب بعد أن نالها من التحريف ما نالها. وهو الأمر الذي تؤكده الآيات الكريمة التي استشهد الكاتب بها وأشار إليها عرضاً في ذيل الفقرة التي نقلناها عنه، ولكنه أغفل ذلك عمداً.

(١) قال الكسائي: … والخطاب لأهل مكة، غرائب الفرقان، للنيسابوري ٢: ١٣٤٤، طبع مصر ١٤١٦هـ (١٩٩٥م).


الصفحة التالية
Icon