ثم إن الكاتب يخلط - ربما عن عمد - بين كتابة الوحي وجمع القرآن، فعند وفاة الرسول ﷺ كان القرآن كله مكتوباً كما كان محفوظاً في صدور المؤمنين، يدل على ذلك التقرير المفصل الذي أورده البخاري عن زيد بن ثابت رضي الله عنه والذي يقول فيه. فتتبعت القرآن أجمعه من العسب واللخاف وصدور الرجال" وعلى أن الجمع كان بمنزلة تحر في الحفظ والصيانة (١) لا كما زعم المستشرقون أن القرآن لم يكن مكتوباً في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم.
الناسخ والمنسوخ:
لاشك أن من يريد أن يعرض لقضية الناسخ والمنسوخ في القرآن الكريم لابد له - إذا صح قصده وكان نشدان الحقيقة ديدنه - أن يعرض لهذه القضية في الفصل الخاص "بتاريخ القرآن" وتطور الأحكام التي اشتمل عليها الكتاب العزيز. ولكن الكاتب أقحم هذه القضية - لغرض في نفسه سوف نتبينه من خلال تحليل مقولاته - على هذا الفصل المتعلق بـ "محمد والقرآن" ولم ينتظر حتى يعرضها في مبحث تاريخ القرآن والذي يلي هذا الفصل مباشرة.
يقول الكاتب:"والقرآن نفسه يعترف بأن تغييرات وقعت في الوحي ﴿مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا﴾ (البقرة ١٠٦)، ﴿وَإِذَا بَدَّلْنَا آيَةً مَكَانَ آيَةٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ قَالُوا إِنَّمَا أَنْتَ مُفْتَرٍ﴾ (النحل: ١٠١). ثم إن هناك آية في سورة الحج (٥٢ - ٥٣) تعطي تفسيراً آخر لتغيرات جرت

(١) انظر: عدنان زرزور، علوم القرآن، ص ٨٧.


الصفحة التالية
Icon