والزمخشري في طعنه في القراءات يجرح القراء أحيانًا ويخطئهم أحيانًا بأنهم يلحنون ؛ لقلة درايتهم بالنحو والصرف، " ففي قوله تعالى :( وإن تُبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله فيغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء)(البقرة/٢٨٤) قرئ :( فيغفرْ ويعذبْ ) مجزومين عطفًا على جواب الشرط، ومرفوعين على فهو يغفر ويعذب، فإن قلت : كيف يقرأ الجازم ؟، قلت يظهر الراء ويدغم الراء في اللام لا من مخطئ خطأ فاحشًا، ورواية عن أبي عمرو مخطئ مرتين ؛ لأنه يلحن وينسب إلى أعلم الناس بالعربية ما يؤذن بجهل عظيم والسبب في نحو هذه الروايات قلة ضبط الرواة، والسبب في قلة الضبط قلة الدراية، ولا يضبط نحو هذا إلاّ أهل النحو " (الكشاف١/٤٠٧).
إن موقف الزمخشري من القراءات القرآنية المخالفة في زعمه قواعد النحو العربية هو نفس موقف الطبري، إلاّ أنه سليط اللسان في التهكم لا على القراءة وحدها، بل على القرّاء أنفسهم.
أما موقفه من القراءات القرآنية التي تحتمل معنى يراه جديرًا بالقبول في طعنه أو تفضيله وترجيحه للقراءة التي تحمل المعنى الأقوى في نظره، وذلك في مثل موقف الطبري من قراءة (ملك يوم الدين) غير أن الزمخشري يضيف بعدًا جديدًا لهذا الموقف، أعني الترجيح لقوة المعنى في نظره، هذا البعد الجديد يتجلى في توجيهه للقراءة توجيهًا بلاغيًا لولعة وعنايته، وهاك شيئًا من مواقفه في هذا الجانب :
قال تعالى :( إن الله يُدافع عن الذين آمنوا )(الحج/٣٨) قرأ ابن كثير وأبو عمرو البصريان :( إن الله يدفع ) بفتح الياء والفاء وإسكان الدال من غير الألف وقرأ الباقون ( يدافع ) بضم الياء وفتح الدال وألف بعدها مع كسر الفاء.
يقول الزمخشري :" ومن قرأ ( يدافع ) فمعناه يبالغ في الدفع عنهم كما يبالغ فيه لأن فعل المغالب يجيء أقوى وأبلغ (تحقيق القراءة من كتاب السبق في القراءات لابن مجاهد ص : ٤٣٧، والنشر ٢/٣٢٦، والتفسير من الكشاف٣/١٥ ).


الصفحة التالية
Icon