وليت الزمخشري يقف عند هذا الحد في الترجيح بين القراءات المتواترة فقد عمد إلى قراءة شاذة مخالفة للرسم القرآني، ورأى فيها بلاغة ما لم يره في المتواتر.
ففي قوله تعالى :( فشربوا منه إلا قليلاً منهم )(البقرة/٢٤٩) قرأ الأعمش ( إلاّ قليلٌ ) بالرفع ـ وهي قراءة لم تثبت ـ، قال وهذا من ميلهم مع المعنى والإعراض عن اللفظ جانبًا وهو باب جليل من علم العربية (الكشاف١/٣٨١)، وقد لا يكون هناك أدنى مبرر للحكم بالقوة لقراءة دون قراءة إلاّ لاشتمالها على نكتة بلاغية يلمحها فيها كما في قوله تعالى :( ثم إذا كشف الضر عنكم إذا فريقٌ منكم بربهم يشركون )(النحل/٥٤)(الكشاف٢/٤١٣).
يقول :" قرأ قتادة ( كاشف الضر ) على فاعل بمعنى فعل، وهو أقوى من كشف، لأن بناء المغالبة يدل على المبالغة ".
وثالثة الأثافي موقف الزمخشري من القراءات التي تخالف الرسم والذي اختلف عن موقف الطبري، إذ أن الطبري قد وقف موقفًا واضحًا وسليمًا من تلك القراءات التي تخالف الرسم أو الرسوم على حد تعبيره فردّها ردًا قاطعًا لعدم قرآنيتها، أما الزمخشري فقد أكثر من ذكر هذه القراءة دون نقد أو رد بل صرف عنايته لتوجيهها، ولعل هذا الفارق بين الطبري والزمخشري يعود إلى علم الأول بالقراءات وجهل الثاني بها، إذ رماه أبو حيان بأنه ضعيف في هذا العلم، وهاك بعض الأمثلة :
قال تعالى :( ءاعجميٌ وعربيٌ )(فصلت/٤٤) يقول :" وقرئ ( أعجمي ) ولم يعقب على ذلك بل اكتفى بشرح كلمة الأعجمي بأنه الذي لا يفصح ولا يفهم كلامه من أي جنس كان.
وفي قوله تعالى :( لولَّوْا إليه وهم يجمحون )(التوبة/٦٣).


الصفحة التالية
Icon