٤ - وأخيرًا فقد عقد مؤتمر ـ عام ١٩٨٩م ـ لمنظمة الثقافة والعلوم التابعة لجامعة الدول العربية وقد تناول هذا المؤتمر " الطبري كشخصية تراثية في التفسير والتاريخ والعلوم الإسلامية "، وقد رشحت من قبل الجامعة لذلك، ولظروف ـ لم أتمكن من حضور المؤتمر، ولكنني طرحت ورقة عمل ـ كما يقولون ـ تشمل موقف الطبري من القراءات، وقد كان الكثير مؤيدًا لما ورد والأقل متريثًا وأقل القليل معارضًا، فاستأنست للصدى العلمي الصادر عنهم.
هذا وبعد كتابة هذه المقدمة أفادني أستاذي الدكتور مازن المبارك أنه ناقش رسالة قيّمة في جامعة قطر وهي بعنوان " الطبري قارئًا " وأفاد بأنها على جانب عظيم من الأهمية ولكني لم أطلع عليها بعد ومن يدري فلعل هناك من كتب (وفوق كل ذي علم عليم )(يوسف/٧٦).
بعد هذه المقدمة نقول :" لقد سبق وأن تعرضنا لضوابط القراءات ورجحنا أن الضابط الوحيد هو صحة السند ورأينا أن الضابطين موافقة الرسم وموافقة اللغة، لا يعتبران في قبول القراءة ورفضها، فقد توافق القراءة الرسم ولا تعتبر، وقد توافق اللغة ولا تقبل ما دامت القراءة لم يصح سندها.
فإذا تواتر السند أصبحت القراءة قرآنًا لا مجال لردها، وفي هذه الحالة لن تخالف رسمًا ولن تخالف لغة ؛ لأن قواعد اللغة تصحح وفقًا للقرآن الكريم، ولا تصحح هي القرآن الكريم.
إن غالب الطاعنين في القراءات يرتكزون في طعنهم على قواعد اللغة، والطبري حين طعن في القراءات ارتكز على نفس ما ارتكزوا عليه، فيرفض أو يرجح وفق قواعد اللغة أحيانًا كثيرة أو وفق ما يترادى له من المعنى.
أما القراءات التي تخالف الرسم فيرفضها، وهو محق في ذلك ؛ لأنها مخالفة للرسوم كما يقول، ويتراءى لي أن موقف الطبري من القراءات يمكن تقسيمه إلى ثلاثة أقسام :
أولها : طعنه في القراءات التي لا توافق قواعد لغوية حسب نظره :
وهو في موقفه هذا يوافق بعض النحاة في ردهم لبعض القراءات المتواترة.


الصفحة التالية
Icon