قال تعالى :( وقالت اليهود عزيرٌ ابن الله )(التوبة/٣٠)، قرأ بن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر وحمزة ( عزيرُ ) بضم الراء وحذف التنوين وقرأ عاصم والكسائي (عزيرٌ ) بالتنوين.
يقول الطبري :" وأولى القراءتين بالصواب قراءة من قرأ ( عزيرٌ ) بالتنوين "، وفي قوله تعالى :( والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار )(التوبة/١٠٠) قال الطبري : قرئت ( الأنصار ) بالخفض والرفع، ثم قال والقراءة التي لا أستجيز غيرها، الخفض في الأنصار مع أن قراءة الرفع سبعية.
وفي قوله تعالى:(كأنما أغشيت وجوههم قطعًا من الليل مظلما )(يونس/٢٧) قرئت قِطَعًا وقِطْعًا.. أي بالنصب للطاء وإسكانها، قال الطبري : القراءة التي لا يجوز خلافها عندي قراءة من قرأ ذلك بفتح الطاء
إنّها تعبيرات تدل دلالة قاطعة على الرفض الصريح، أنظر إلى قوله : لا أستجيز غيرها ـ والتي لا يجوز خلافها عندي.. "
ثانيًا : طعنه في القراءات تبعًا لمعنى من المعاني :
لم يقتصر طعن ابن جرير الطبري على القراءات نظرًا لتعارضها مع قواعد اللغة حسب نظره ـ وإنما تعدى طعنه إلى القراءات التي لم توافق المعنى الجدير بالقبول ـ حسب تأويله ـ والفرق بين طعنه في الأول وطعنه في الثاني، أنه يعلل الأول تعليلاً لغويًا، ويعلل طعنه في الثاني تعليلاً معنويًا ويرمي القائل المؤول غير تأويله بأنه ذو غفلة، أو ذو غباء، أو أغفل وظن خطأ، أو فاسد التأويل.
ويعود طعنه في مثل هذا النوع إلى اهتمامه بالمعاني واللطائف الدقيقة في القراءات، فإذا وجد قراءة توحي بمعنى من المعاني يذكرها ويوجهها بصرف النظر عن كون تلك القراءة حجة أو لا، بل قد يفترض القراءة افتراضًا وهو وإن لم يقل بها إلاّ أنه لولعه بإبراز المعاني يفترضها، فلا غرو إذا وجدناه يرفض بعض القراءات ولو كانت متواترة، لأنها لم تشبع نهمه في تتبع المعاني القوية حسب نظره.