١٤- لما كانت الاستعاذة في سورة الفلق من شر كل شيء أضيف الرب إلى كل شيء أي بناء على عموم الفلق ولما كانت في سورة الناس من شر الوسواس لم يضف إلى كل شيء
١٥- لما كان شر الأشياء الظلام، فإنه أصل كل فساد، وكانت شرارته مع ذلك وشرارة السحر والحسد خفية، خصها بالذكر من بين ما عمه من الخلق لأن الخفي يأتي من حيث لا يحتسب الإنسان فيكون أضر.
١٦- العائن حاسد خاص وهو أضر من الحاسد. ولهذا والله أعلم. إنما جاء في السورة ذكر الحاسد دون العائن، لأنه أعم فكل عائن حاسد ولا بد. وليس كل حاسد عائناً، فإذا استعاذ من شر الحسد دخل فيه العين، وهذا من شمول القرآن وإعجازه وبلاغته
١٧- وتأمل تقييده سبحانه شر الحاسد بقوله :( إذا حسد ) لأن الرجل قد يكون عنده حسد. ولكن يخفيه ولا يرتب عليه أذى بوجه ما لا بقلبه، ولا بلسانه ولا بيده، بل يجد في قلبه شيئاً من ذلك، ولا يعاجل أخاه إلا بما يحب الله فهذا لا يكاد يخلو منه أحد إلا من عصمه الله ولا يأتمر لها بل يعصيها طاعة لله وخوفاً وحياء منه وإجلالاً له أن يكره نعمه على عباده، فيرى ذلك مخافة لله وبغضاً لما يحب الله ومحبة لما يبغضه. فهو يجاهد نفسه على دفع ذلك ويلزمها بالدعاء للمحسود وتمنى زيادة الخير له بخلاف ما إذا حقق ذلك وحسد، ورتب على حسده مقتضاه من الأذى بالقلب واللسان والجوارح. فهذا الحسد المذموم وهذا كله حسد تمني الزوال.
١٨- ونكر غاسق وحاسد وعرف النفاثات، لأن كل نفاثة شريرة، وكل غاسق لا يكون فيه الشر إنما يكون في بعض دون بعض، وكذلك كل حاسد لا يضر. ورب حسد محمود، وهو الحسدفي الخيرات، ومنه: لا حسد إلا في اثنتين، ومنه قول أبي تمام:
وما حاسد في المكرمات بحاسد


الصفحة التالية
Icon