٢١- فأصل كل معصية وبلاء، إنما هو الوسوسة. فلهذا وصفه بها لتكون الاستعاذة من شرها أهم من كل مستعاذ منه وإلا فشره بغير الوسوسة حاصل أيضاً. فمن شره أنه لص سارق لأموال الناس فكل طعام أو شراب لم يذكر اسم الله عليه فله فيه حظ بالسرقة والخطف ومن شره أنه إذا نام العبد عقد على رأسه عقداً تمنعه من اليقظة كما في صحيح البخاري ومن شره أنه يبول في أذن العبد حتى ينام إلى الصباح كما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم
٢٢- في قوله تعالى :( الخناس ) وجيء من هذا الفعل بوزن فعال الذي للمبالغة دون الخانس والمنخنس إيذاناً بشدة هروبه ورجوعه وعظم نفوره عند ذكر الله. وأن ذلك دأبه وديدنه لا أنه يعرض له ذلك عند ذكر الله أحياناً. بل إذا ذكر الله هرب وانخنس وتأخر. فإن ذكر الله هو مقمعته التي يقمع بها كما يقمع المفسد والشرير بالمقامع التي تردعه من سياط وحديد وعصي ونحوها. فذكر الله يقمع الشيطان ويؤلمه ويؤذيه كالسياط والمقامع التي تؤذي من يضرب بها.
٢٣- قال ابن القيم " فمن لم يعذب شيطانه في هذه الدار بذكر الله تعالى وتوحيده واستغفاره وطاعته عذبه شيطانه في الآخرة بعذاب النار، فلا بد لكل أحد أن يعذب شيطانه أو يعذبه شيطانه ".
٢٤- وتأمل السر في قوله تعالى :[يوسوس في صدور الناس]، ولم يقل في قلوبهم والصدر هو ساحة القلب وبيته. فمنه تدخل الواردات إليه فتجتمع في الصدر، ثم تلج في القلب فهو بمنزلة الدهليز له و هذا من رحمة الله عز وجل.
٢٥- وإنما ذكر أنه رب الناس، وإن كان ربا لجميع الخلق لأمرين:
أحدهما: لأن الناس معظمون؛ فأعلم بذكرهم أنه رب لهم وإن عظموا.