تفسير قوله تعالى:
(يا أيها الناس اتقوا ربكم | ) وما قيل في سبب نزولها |
ومن العلماء من يقول: إن (الناس) مشتقة من النسيان؛ لأن هذا شيء جُبِل عليه الناس حتى الأنبياء، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إنما أنا بشر أنسى كما تنسون)، وقال عليه الصلاة والسلام: (فنسي آدم فنسيت ذريته).
ولهذه الآية سبب نزول صحيح عند بعض العلماء، وإن كانت أغلب أسباب النزول ضعيفة لا تثبت، وكثير من إطلاقات أهل العلم أن آية كذا نزلت في كذا وكذا لا يسلم لهم، خاصة إطلاق القرطبي رحمه الله تعالى، أو الإطلاقات التي تأتي عن كثير من التابعين كـ قتادة والحسن البصري وغيرهما من أهل العلم رحمهم الله تعالى.
وقد تتعدد أسباب النزول للآية الواحدة، فيحدث أمر، ويحدث أمر آخر، ويحدث أمر ثالث فتنزل الآية شاملة لكل ما حدث، كما في قوله تعالى: ﴿وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ﴾ [البقرة: ١٩٥] فقد قال أبو أيوب الأنصاري رضي الله تعالى عنه: نزلت في الأنصار لما قالوا: نبقى في أموالنا نصلحها، لما كثر الإسلام وأعز الله تعالى ناصريه، وقال البراء بن عازب رضي الله تعالى عنه أو غيره: إنما نزلت ﴿وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ﴾ [البقرة: ١٩٥] في الرجل يذنب الذنب ويقول: لا يغفر الله تعالى لي، فيسلم نفسه للشيطان ولا يستغفر، فهذا إلقاء باليد للتهلكة، وثم أقوال أخرى، ولا يطعن سبب في السبب الآخر ما دام قد صح الإسناد إلى قائله.
وسبب نزول هذه الآية عند القائلين به ما حاصله: (أن النبي ﷺ كان جالساً في المسجد، فجاءه قوم من غطفان مجتابي النمار -أي: يلبسون جلود النمور-، وعليهم أثر الفاقة والفقر، فلما رأى النبي ﷺ ما بهم من الفاقة والفقر خرج وتلا على أصحابه: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾ [النساء: ١]، فقام رجل فتصدق، فتبعه آخر فتصدق، فتبعه ثالث فتصدق، فتهلل وجه النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة، ومن سن في الإسلام سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة).
والصحيح أن النبي ﷺ إنما تلاها لما قدم عليه الوفد، والله سبحانه وتعالى أعلم.