تفسير قوله تعالى: (واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام)
قوله تعالى: ﴿وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ﴾ كرر الأمر بتقوى الله تعالى لبيان أهمية التقوى، وقد قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ﴾ [النساء: ١٣١]، فأوصى الله الذين أوتوا الكتاب من قبلنا، وأوصانا بتقوى الله.
وقوله تعالى: ﴿الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ﴾ أي: الذي يسأل بعضكم بعضاً به، فيقول أحدكم للآخر: أسألك بالله، فهذا قول، وثم معانٍ أُخَر.
وقوله تعالى: ﴿وَالأَرْحَامَ﴾ أي: واتقوا الأرحام أن تقطعوها، أو على المعنى الآخر: واتقوا الأرحام التي تساءلون بها، فيسأل بعضهم بعضاً بالرحم، فيقول: أناشدك الرحم، قال الله عز وجل لنبيه صلى الله عليه وسلم: ﴿قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى﴾ [الشورى: ٢٣] وقد حذر الله تعالى من قطع الأرحام أشد تحذير، قال سبحانه: ﴿فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ﴾ [محمد: ٢٣]، وقال الله سبحانه وتعالى: ﴿وَالَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ أُوْلَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ﴾ [الرعد: ٢٥]، فقطع الأرحام كبيرة بالاتفاق.
والأحاديث في قطع الرحم والتحذير منه كثيرة جداً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد قال عليه الصلاة والسلام: (لما خلق الله الخلق، قامت الرحم فتعلقت بالعرش وقالت: يا رب! هذا مقام العائذ بك من القطيعة -أي: شخص يعوذ بك من القطيعة هذا مقامه- فقال الله لها: أما ترضين أن أصل من وصلك وأقطع من قطعك؟ قالت: بلى يا رب! قال: فهو لك)، فيقطع الله تعالى من قطع الرحم، ويصل الله عز وجل من وصل الرحم، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (ألا إن آل بني فلان ليسوا بأوليائي، إنما أوليائي المتقون، إلا أن لهم رحماً سأبلها ببلالها) أي: سأصلها بصلتها، ومعناه: أن الرحم شبيهة بالجلد جلد الشاة أو جلد الماعز اليابس، فإذا وضعت على الجلد اليابس ماء أصبح ليناً في يديك، أما إذا لم تضع عليه الماء ولم تبله فسيصير يابساً يعسر عليك ثنيه، فأرحامك وأقاربك إن كنت تصلهم وتهدي إليهم وتودهم سيصيرون لينين في يديك، فإذا أمرتهم بأمر أطاعوك، وإذا نهيتم عن نهي اتبعوك، وأما إذا لم تكن تصلهم وتبلهم بالبلال فسيصيرون يابسين في يديك، كلما أردت منهم شيئاً عصوك؛ لأنه ليس لهم فيك منفعة.
﴿إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾ [النساء: ١].