القول في مسألة التعدد ومشروعيته
وهنا يقال: هل هذه الآية تفيد أن القصد في الزواج التعدد، أو لا تفيد ذلك؛ لأن الله تعالى قال: ﴿فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً﴾ ؟ فذهب بعض العلماء إلى القول بأنها تفيد التعدد؛ لأنه لا يتجه إلى الواحدة إلا عند خوف عدم العدل بنص هذه الآية.
وفي الحقيقة هذا القول لا يسلم له؛ لأن قوله تعالى: ﴿فَانكِحُوا﴾ ليس ابتداءً، فليست الآية كما لو قال تعالى -فرضاً-: (يا أيها الذين آمنوا انكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة)، فحينئذٍ إذا كانت الآية بهذا السياق نقول: الأصل التعدد، ولكن الآية جاءت مبنية على شرط سابق، فإذا كنت خائفاً أن تتزوج اليتيمة فتظلمها فلك أن تتزوج اثنتين أو ثلاثاً أو أربعاً، وهذا وجه الدقة في الاستنباط.
إلا أنهم استدلوا بأدلة أخرى على استحباب التعدد، كحديث: (تكاثروا فإني مباه بكم الأمم)، وحديث ابن عباس رضي الله تعالى عنه الموقوف عليه (تزوج فإن خير هذه الأمة أكثرها نساء)، وكقول ابن عباس رضي الله عنهما: (تزوج فإنه يخرج من صلبك ما كان مستودعاً)، وقوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجًا وَذُرِّيَّةً﴾ [الرعد: ٣٨]، وقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث:).
ولا شك أن في التعدد كسر خاطر للزوجة الأولى، وأذى للزوجة الأولى، ولكن المصالح العامة للمسلمين مقدمة، فكم من امرأة ترملت على أطفالها وتحتاج إلى من يعفها، وكم من امرأة طلقت من زوجها لسبب شرعي كأن يكون زوجها سكيراً عربيداً، وهي عفيفة طلبت الطلاق وطلقت، فإن كان فيه كسر للزوجة الأولى، لكن عموم تشريع الله سبحانه وتعالى لا يصدر إلا من حكيم حميد، وما شرع ذلك إلا لفائدة تعم العباد سبحانه وتعالى.