خبر النبي في قضية الإفك
ومثل هذه المقالة قالتها عائشة رضي الله تعالى عنها لما خاض الناس في الإفك بالذي قد خاضوا به، وجاء النبي ﷺ إلى عائشة بعد مضي شهر وهي في بيت أبيها وعند أمها، فجاء الرسول ﷺ فتشهد وحمد الله وأثنى عليه بما هو له أهل، فقال: (يا عائشة! إني محدثك بأمر فإن كنت بريئة فسيبرئك الله عز وجل، وإن كنت ألممت بذنب فاستغفري الله، فإن العبد إذا أذنب واستغفر الله غفر الله له، ثم ذكرها بحديث الإفك، فقالت عائشة رضي الله عنها لأبيها: أجب عني رسول الله صلى الله عليه وسلم! فقال أبوها: والله ما أدري ما أقول لرسول الله؟ فقالت لأمها: أجيبي عني رسول الله! فقالت أمها: والله ما أدري ما أقول لرسول الله صلى الله عليه وسلم؟).
وكانت عائشة تبكي بكاءً شديداً مريراً تظن أن سيفلق كبدها منه، فقالت: (والله لقد رميتموني بأمر يعلم الله أني منه بريئة، ولكن إن قلت لكم: إني بريئة لم تصدقوني، وإن قلت: إني ألممت بالذنب صدقتموني، فلا أجد لي ولكم مثلاً إلا كما قال أبو يوسف: ﴿فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ﴾ [يوسف: ١٨] ) ولم تكن تتذكر اسم يعقوب عليه السلام، فقد كانت جارية صغيرة؛ فأنزل الله سبحانه بكرمه وفضله براءتها في قرآن يتلى في المحاريب.
قال يعقوب أمام هذه الصدمة العنيفة التي ابتلي بها، وقد كان من قبل لا يستطيع أن يفرط في ولده، فمجرد أن يذهب الولد زمناً يسيراً أو ساعات قليلة ثم يرجع يقول: ﴿إِنِّي لَيَحْزُنُنِي أَنْ تَذْهَبُوا بِهِ﴾ [يوسف: ١٣]، فأي حزن بعد فقدان طويل أي حزن بعد أن يدعي أبناؤه أن الذئب قد أكل أخاهم؟ حينئذ لا يطلب الصبر إلا من الله، ولا يطلب العون إلا من الله.