جواز الرقية إذا كانت شرعية
وعند هذا المعنى تثار قضية الرقية؛ لأن الآية الكريمة ذكرت الرقية ولم تأمر بالرقية ولم تنه عنها، ولكن غاية ما أفادته الآية: أن الرقية عند الموت لا تنفع، فما هو حكم الرقية إذاً؟ حكم الرقية لا يؤخذ من حديث واحد، فالرقية منها رقية مشروعة وغير مشروعة، وتلحق بغير المشروعة أنواع الشعوذات والدجل الذي يفعله السحرة والكهان.
وثم رقى مشروعة، فقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (اعرضوا عليّ رقاكم، لا بأس بالرقى ما لم تكن شركاً)، وقال عليه الصلاة والسلام: (من استطاع منكم أن ينفع أخاه فليفعل)، أي: ما لم يكن فيه شرك جمعاً بين الروايتين، لكن هناك فرقٌ بين رقية الشخص لنفسه، ورقية الشخص للآخرين، وطلب الشخص من الناس أن يرقوه.
فإذا أتى شخصٌ يرقيك بلا طلبٍ منك فلا تمنعه، فقد جاء جبريل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: (يا محمد اشتكيت، باسم الله أرقيك من كل شيءٍ يؤذيك، ومن شر كل عين ومس حاسدٍ الله يشفيك)، فهنا جبريل رقى رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقال أنس: كان النبي ﷺ إذا أتى مريضاً قال: (أذهب البأس رب الناس، اشف أنت الشافي، لا شفاء إلا شفاؤك شفاءً لا يغادر سقماً).
فالرسول ﷺ ارقاه جبريل وهو أيضاً قد رقى، وأيضاً حث على طلب الرقية لكن لغيرك، فقد دخل النبي ﷺ على أم سلمة فرأى عندها جارية ورأى في وجهها سفعة، والسفعة: التغير والسواد في الوجه: (فسأل: ما هذا؟ قالوا: إن بها النظرة يا رسول الله؟ قال: فاسترقوا لها)، أي: اطلبوا لها من يرقيها، والحديث في البخاري.
وأيضاً ذهب النبي ﷺ إلى بيت جعفر بعد مقتل جعفر، ورأى أولاده كالأفراخ من شدة الضعف، فسأل أمهم أسماء: (ما لي أرى أجسام بني أخي ضارعة؟ قالت: تسرع إليهم العين يا رسول الله، قال: استرقي لهم)، وقال النبي ﷺ لامرأة ممن يرقين من النساء: (ارقيها وعلميها حفصة كما علمتيها الكتابة).
وأيضاً في الصحيح أن صحابياً رقى رجلاً على قطيع من الغنم، ولما أخبر رسول الله ﷺ قال له: (إن أحق ما أخذتم عليه أجراً كتاب الله)، وكان قد رقاه بفاتحة الكتاب.
فيؤخذ من هذه الأخيرة: جواز رقية الكفار.


الصفحة التالية
Icon