تفسير قوله تعالى: (هل أتاك حديث الغاشية)
باسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله.
وبعد: فسنتناول بمشيئة الله تفسير سورة الغاشية، وقد كان النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقرأ بسورة الغاشية في الركعة الثانية من ركعتي الجمعة، ويقرأ في الركعة الأولى: بـ (سبح اسم ربك الأعلى).
يقول الله سبحانه وتعالى: ﴿هَلْ أَتَاكَ﴾ [الغاشية: ١]، من العلماء من قال: (هل) هنا بمعنى: (قد)، فالمعنى: قد أتاك حديث الغاشية.
الخطاب لمن؟ منهم من قال: إنه للرسول صلى الله عليه وسلم.
ومنهم من قال: إنه لعموم الإنسان.
فالمعنى على هذا الوجه: قد أتاك أيها الإنسان حديث الغاشية، أو قد أتاك يا محمد حديث الغاشية.
ومن العلماء من قال: إن هذا الاستفهام للتنبيه، ومجيء الاستفهام لقصد التنبيه له شواهد في سنة رسول الله ﷺ متعددة، قال النبي ﷺ لـ معاذ: (يا معاذ بن جبل! ثم سكت، ثم قال: يا معاذ بن جبل! ثم سكت، ثم قال: يا معاذ بن جبل! وكل مرة معاذ يجيب: لبيك وسعديك يا رسول الله، والرسول يسكت، ففي الثالثة قال: هل تدري ما حق الله على العباد، وما حق العباد على الله؟ قال: الله ورسوله أعلم، قال: إن حق الله على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئاً، وحق العباد على الله إن هم فعلوا ذلك ألا يعذبهم)، فاستفهم الرسول ﷺ من معاذ حتى يلفت انتباه معاذ إلى ما سيلقى عليه، ولهذا نماذج متعددة في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
من العلماء من قال: إن الاستفهام للتنبيه، وقال آخرون: المعنى: إن كنت تسأل أيها الإنسان عن حديث الغاشية فقد جاءك حديث الغاشية.
﴿هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ﴾ [الغاشية: ١] والحديث المراد به هنا: الخبر؛ خبر الغاشية، فكلمة (الحديث) لها عدة معان، فالقرآن حديث، قال الله سبحانه وتعالى: ﴿اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ﴾ [الزمر: ٢٣] فأطلق على القرآن حديثاً، وحديث رسول الله ﷺ حديث، وكلام الناس حديث، فالحديث يطلق على الكلام، ويطلق على الخبر.
﴿هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ﴾ [الغاشية: ١] أي: خبر الغاشية، والغاشية للعلماء فيها قولان: القول الأول: أن المراد بالغاشية: النار، ومستند هذا القول: قوله تعالى: ﴿وَتَغْشَى وُجُوهَهُمُ النَّارُ﴾ [إبراهيم: ٥٠] تغشى أي: تغطي على وجوه الكافرين.
ومن أهل العلم من قال: إن الغاشية هي القيامة؛ لأنها تغشى الناس بأهوالها وكروبها.
ومن أهل العلم من قال: إن الغاشية هي النار وهي القيامة معاً، فلم يرد خبر يقصر الغاشية على النار دون القيامة، ولا يقصر الغاشية على القيامة دون النار، فالقول بالتعميم أولى، فالنار غاشية، والقيامة -أي: الساعة- غاشية، لأنها تغطي على كل ما سواها من أخبار وفظائع وأنباء.


الصفحة التالية
Icon