(اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ) وصفة الخلق هي أقرب الصفات إلى معنى الربوبية، ولأنها أجمع الصفات للتعريف بالله تعالى لخلقه، وهي الصفة التي يسلمون بها، قال تعالى في سورة لقمان: (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ..(٢٥). قال البقاعي: وبدأ بالخلق لأنه محسوس بالعين فهو أعلق بالفهم، وأقرب إلى التصور، وأدل على الوجود وعظيم القدرة، وكمال الحكمة، فكان البداءة به في هذه السورة التي هي أول ما نزل أنسب الأمور لأنه أول الواجبات معرفة الله وهي بالنظر إلى أفعاله في غاية الوضوح.
قال ابن تيمية: إن الإقرار والاعتراف بالخالق فطري ضروري في نفوس الناس، وإن كان بعض الناس قد يحصل له ما يفسد فطرته حتى يحتاج إلى نظر تحصل له بعد معرفة، وهذا قول جمهور الناس وعليه حذاق النظار، إن المعرفة تارة تحصل بالضرورة، وتارة بالنظر، كما اعترف بذلك غير واحد من أئمة المتكلمين. وقال: وهذه الآية تدل على أنه ليس النظر أول الواجب، بل أول ما أوجب الله على نبيه ﷺ (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ)، لم يقل انظر واستدل حتى تعرف الخالق.
الأكرم
(اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأكْرَمُ) والأكرم، هو الأكرم من كل كريم، وهو الذي يعطي بدون مقابل، ولا انتظار مقابل، والواقع أن مجيء الوصف هنا بالأكرم بدلاً من أي صفة أخرى، لما في هذه الصفة من تلاؤم للسياق، ما لا يناسب مكانها غيرها لعظم العطاء وجزيل المنة.
وقال ابن تيمية: ولم يقل "الأكرم من كذا" بل أطلق الاسم ليبين أنه الأكرم مطلقاً غير مقيد، فدل على أنه متصف بغاية الكرم الذي لا شيء فوقه ولا نقص فيه. وقال الخطابي فيما نقله ابن تيمية: والأكرم مصدر أكرم - يكرم - إكراماً. والمعنى أنه يكرم أهل ولايته وطاعته. وهو الذي ذهب إليه البغوي أنه يكرم أنبياءه وأولياءه للطفه مع جلاله وعظمته.