فربك الذي خلقك أيها الإنسان من علق، رب يحسن إليك بتربيتك، أمرك بالقراءة وهو قادر على أن يجعلك قارئاً، وجعل لك من وسائل اكتساب المعارف والعلوم القلم، لما في الكتابة من المنافع، وعلمك ما لم تعلم، من خلال وسائل أخرى لاكتساب العلم، إن الإنسان يتعلم بحواسه الظاهرة المرئيات والمسموعات والمشمومات والمذوقات والملموسات، ويتعلم بحواسه الباطنة العواطف والإحساسات والمشاعر الداخلية، كالحب والكراهية، والغضب والرضا، واللذة والألم.
وحين يحب الإنسان أن يستقل بعلمه وقوته عن الله تعالى فإنه يضل ويسير في طريق الشقاء ومن هنا حذر الله تعالى وزجر بقوله كلا إن الإنسان ليطغى، أن رآه استغنى.
وهذا النص جاء بمثابة التعليل للحكمة من إنزال الرسالة، ودعوة الناس إلى ما فيها من الخير والبركة، فإذا ترك الإنسان من غير توجيه فإنه يطغى وهذا واقع من حياة الإنسان وتاريخه البشري، ويبتلى الإنسان في أمور كثيرة متعددة تشعره بالاستغناء إن لم يكن على بصيرة من أمره، فهو يبتلى بالمال، وبالقوة، وبالجاه والسلطان، وبالصحة والعافية، وبالعمر، وبكثرة الولد، وبالأنباع والأنصار، وبعلوم الدنيا البحتة، وبالذكاء.. الخ. وقد يكون مرضاً نفسياً بحيث يخيل لنفسه أنه قوي، أو خارق، أو بعد أن تستحوذ عليه الشياطين من الجن والإنس فتسيره بعد أن أضله الله تعالى في موكب الخداع، وهو في الحقيقة مسكين تائه محتاج لربه عز وجل في كل لحظة.
"إن هذه الصفة في الإنسان صفة شرطية، إذ ليس كل إنسان طاغياً بالفعل، ولكن من رأى أنه استغنى طغى، ولزوم الطغيان للشعور بالاستغناء في مركب هذا الإنسان يكاد يكون قاعدة مطردة"(١).
الإنسان والطغيان