بإبراز المعنى الواحد في قوالب متعددة وصياغاتٍ متنوعةٍ وفي سياقاتٍ مختلفةٍ لتقرير هذه المعاني وترسيخِها أو لدحض شبهٍ عالقةٍ بالأذهان وتفنيدها، مع مراعاة السياقِِ الذي به تنتظم المعاني، والمتأمل في الحوارات القرآنية يلمس هذا التنوع في موضوعاتها وفي أطرافها، وفي أمكنتها وأزمنتها، وفي عرضها وأسلوبها وفي تناسبها واتساقها مع أهداف السور ومحاورها، ونرى التنوع أيضا في الموضوعات التي تطرق الحوار إليها فنجده تطرق أولا إلى قضية العقيدة بجميع محاورِها، كما استطردَ إلى تقرير الأحكام ومكارم الأخلاق، وهكذا ينبغي أن يكون الحوار مع الآخر حوارا في مختلف القضايا، لا كما نراه الآن في مؤتمرات ومنتديات حوار الأديان – الرسمية – التي تقتصر على تناول بعض القضايا الفرعية المعاصرة، دون القضايا الأساسية مما يجعل هذه الحوارَات باهتةً وخاويةً، وربما أضفي الاجتماع على هذه الفروع شعورا لدى العوام باتفاق الأديان على الأصول أو بإقرارِ المسلمين خاصةً بما عليه أهل الكتاب مما يؤدي إلى إلباسِ الباطل ثوبَ الحقِّ.
" إن القرآن الكريم بحواره يخاطب الكائن البشري كلَّه ؛ عقله وضميره ووجدانه، يحرك الفكر والتأمل، ويلمس الحسَّ والبصيرة، ويثير الانفعال والشعور، فيستغلُّ في الإنسان كلَّ طاقاته ومواهِبِهِ، وينفذُ إلى صميمه من كلِّ منافذه، ويؤثر فيه بكل المؤثرات، لم يقتصر الحوار على خطاب العقل، فالعقل نافذةٌ واحدةٌ من نوافذه، لم يسلك سبيل الإقناع الذهني المجرد، ولم يعتمد قط على أقضية المنطق الجافة، إنما ارتفع بأسلوبه إلى مجال الفطرة الشاملة، وقصد به إلى منطقة الوجدان " (١).

(١) - منهج القصة في القرآن محمد شديد ص ١٣


الصفحة التالية
Icon