هذا فضلا عن تناسب هذا الحوار ومواكبته لجميع العصور ومراعاته لتفاوت العقول واختلاف الثقافات، فالقرآن الكريم رسالة خالدة ودعوةٌ عالميةٌ وهدايةٌ شاملةٌ للبشريةِ :" وأي حوارٍ في الدنيا يمكن أن يستوعب أفهام البشرية جميعا في عصور متباينةٍ على اختلاف مدارك الناس وتنوع ثقافاتهم ؟ أيُّ حوار يمكن أن يكون كذلك إلا الحوار الإلهي المعجز " (١).
التداخل أو الامتزاج
من سمات الحوار القرآني ك تداخل موضوعات الحوار أو امتزاجها : فلو تأملنا حوارات القرآن الكريم بوجه عام وحوارات السورة الكريمة سورة الأنعام على وجه الخصوص لوجدنا عامة الحوارات متلاحقةً دونما فواصل بينها، متمازجةً متداخلةً متعانقةً، ومع تنوع موضوعاتها إلا أنها يجمعها موضوع رئيسي فهي في جملتها تدور حول ترسيخ العقيدة في القلوب والوجدان وتقريرها في العقول والأذهان، مع ما يتعلقُ بها ويترتب عليها من أحكامٍ عمليةٍ، فهي حواراتٌ متعددة ومتنوعةٌ ينتظمُها حوارٌ واحد، والحقيقة أن هذه الميزة في الحوار القرآني إنما هي مظهرٌ من مظاهر تفرده واستقلاله عن كلِّ ما سواه.
لقد أورد القرآن الكريم من أفانين القول في سياق محاجّة الكفار، ما يخرج عن طوق البشر الإحاطة بمثل هذه الأساليب في أوقات متقاربة أو متباعدة، فالنفس الإنسانية لا تستطيع التحوُّل في لحظات عابرة في جميع الاتجاهات بل تتأثر بحالة معينة، ولا تستطيع التحول عنها إلى اتجاه معاكس إلا ضمن بيئة ملائمة، أما الأسلوب القرآني فيلاحظ فيه الانتقال في شتى الاتجاهات في لحظات متقاربة متتالية، وأحيانا تكون مترادفة.
الخاتمة