فَتَرْجِعُ إِلَى مَطْلِعِهَا فَذَلِكَ مُسْتَقَرُّهَا، ثُمَّ قَرَأَ :﴿وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا﴾[سورة يس آية ٣٨ ] (١)
وَذَكَرَ أَبُو سُلَيْمَانَ الْخَطَّابِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي قَوْلِهِ : وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا أَنَّ أَهْلَ التَّفْسِيرِ وَأَصْحَابَ الْمَعَانِي قَالُوا فِيهِ قَوْلَيْنِ ؛ قَالَ بَعْضُهُمْ : مَعْنَاهُ أَنَّ الشَّمْسَ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا، أَيْ : لِأَجَلٍ أُجِّلَ لَهَا، وَقَدَرٍ قُدِّرَ لَهَا، يَعْنِي انْقِطَاعَ مُدَّةِ بَقَاءِ الْعَالَمِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ : مُسْتَقَرُّهَا غَايَةٌ مَا تَنْتَهِي إِلَيْهِ فِي صُعُودِهَا وَارْتِفَاعِهَا لِأَطْوَلِ يَوْمٍ فِي أَيَّامِ الصَّيْفِ، ثُمَّ تَأْخُذُ فِي النُّزُولِ حَتَّى تَنْتَهِيَ إِلَى أَقْصَى مَشَارِقِ الشِّتَاءِ لِأَقْصَرِ يَوْمٍ فِي السَّنَةِ. وَأَمَّا قَوْلُهُ " مُسْتَقَرُّهَا تَحْتَ الْعَرْشِ " فَلَا يُنْكِرُ أَنْ يَكُونَ لَهَا اسْتِقْرَارٌ مَا تَحْتَ الْعَرشِ مِنْ حَيْثِ لَا نُدْرِكُهُ وَلَا نُشَاهِدُهُ، وَإِنَّمَا أَخْبَرَ عَنْ غَيْبٍ فَلَا نُكَذِّبُ بِهِ وَلَا نُكَيِّفُهُ، لِأَنَّ عِلْمَنَا لَا يُحِيطُ بِهِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى : أَنَّ عَلِمَ مَا سَأَلْتَ عَنْهُ مِنْ مُسْتَقَرِّهَا تَحْتَ الْعَرْشِ فِي كِتَابٍ كُتِبَ فِيهِ مَبَادِئُ أُمُورِ الْعَالَمِ وَنِهَايَاتُهَا، وَالْوَقْتُ الَّذِي تَنْتَهِي إِلَيْهِ مُدَّتُهَا، فَيَنْقَطِعُ دَوَرَانُ الشَّمْسِ وَتَسْتَقِرُّ عِنْدَ ذَلِكَ فَيَبْطُلُ فِعْلُهَا، وَهُوَ اللَّوْحُ الْمَحْفُوظُ، الَّذِي بُيِّنَ فِيهِ أَحْوَالُ الْخَلْقِ وَالْخَلِيقَةِ وَآجَالُهُمْ وَمَآلُ أُمُورِهِمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِذَلِكَ.
قَالَ الشَّيْخُ أَبُو سُلَيْمَانَ : وَفِي هَذَا ـ يَعْنِي الْحَدِيثَ الْأَوَّلَ ـ إِخْبَارٌ عَنْ سُجُودِ الشَّمْسِ تَحْتَ الْعَرْشِ فَلَا يُنْكَرُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ عِنْدَ مُحَاذَاتِهَا الْعَرْشَ فِي مَسِيرِهَا، وَالْخَبَرُ عَنْ سُجُودِ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ قَدْ

(١) - مسند أبي عوانة (٢٣٨ و٢٣٩) صحيح


الصفحة التالية
Icon