جَاءَ فِي الْكِتَابِ، وَلَيْسَ فِي سُجُودِهَا لِرَبِّهَا تَحْتَ الْعَرْشِ مَا يَعُوقُهَا عَنِ الدَّأْبِ فِي سَيْرِهَا وَالتَّصَرُّفِ لِمَا سُخِّرَتْ لَهُ. قَالَ : فَأَمَّا قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ : حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ فَإِنَّهُ لَيْسَ بِمُخَالِفٍ لَمَّا جَاءَ فِي هَذَا الْخَبَرِ مِنْ أَنَّ الشَّمْسَ تَذْهَبُ حَتَّى تَسْجُدَ تَحْتَ الْعَرْشِ، لِأَنَّ الْمَذْكُورَ فِي الْآيَةِ إِنَّمَا هُوَ نِهَايَةُ مُدْرِكِ الْبَصَرِ إِيَّاهَا حَالَ الْغُرُوبِ، وَمَصِيرُهَا تَحْتَ الْعَرْشِ لِلسُّجُودِ إِنَّمَا هُوَ بَعْدَ غُرُوبِهَا فِيمَا دَلَّ عَلَيْهِ لَفْظُ الْخَبَرِ، فَلَيْسَ بَيْنَهُمَا تَعَارُضٌ وَلَيْسَ. مَعْنَى قَوْلِهِ تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ أَنَّهَا تَسْقُطُ فِي تِلْكَ الْعَيْنِ فَتَغْمُرُهَا، وَإِنَّمَا هُوَ خَبَرٌ عَنِ الْغَايَةِ الَّتِي بَلَغَهَا ذُو الْقَرْنَيْنِ فِي مَسِيرِهِ حَتَّى لَمْ يَجِدْ وَرَاءَهَا مَسْلَكًا فَوَجَدَ الشَّمْسَ تَتَدَلَّى عِنْدَ غُرُوبِهَا فَوْقَ هَذِهِ الْعَيْنِ، أَوْ عَلَى سَمْتِ هَذِهِ الْعَيْنِ، وَكَذَلِكَ يَتَرَاءَى غُرُوبُ الشَّمْسِ لِمَنْ كَانَ فِي الْبَحْرِ وَهُوَ لَا يَرَى السَّاحِلَ، يَرَى الشَّمْسَ كَأَنَّهَا تَغِيبُ فِي الْبَحْرِ، وَإِنْ كَانَتْ فِي الْحَقِيقَةِ تَغِيبُ وَرَاءَ الْبَحْرِ، وَفِي هَهُنَا بِمَعْنَى فَوْقَ، أَوْ بِمَعْنَى عَلَى، وَحُرُوفُ الصِّفَاتِ تُبَدَّلُ بَعْضُهَا مَكَانَ بَعْضٍ (١)
وقال دروزة :
" وما جاء في الحديث أمر مغيّب فيجب الوقوف عنده إذا صحّ (٢) مع وجوب الإيمان بأنه لا بدّ من أن يكون لصدوره من النبي - ﷺ - حكمة

(١) - الْأَسْمَاءُ وَالصِّفَاتُ لِلْبَيْهَقِيِّ( ٨٠٤ و٨٠٥)
(٢) - وطلوع الشمس من مغربها كعلامة من علامات الساعة مماثل لما ذكرته آيات عديدة في سور المزمل والتكوير والقيامة والمرسلات من تبدّل مشاهد الكون عند ما تأزفّ الساعة وتخرب الدنيا. وكل هذا مغيّب يجب الإيمان به والوقوف عنده وإيكال حكمته إلى اللّه تعالى. وليس معرفة كنهه والمماراة فيه من ضروريات الدين. واللّه تعالى أعلم.


الصفحة التالية
Icon