المال والأرزاق ويعوزها! وفي خلال هذا الخضم الواسع لحاجات الخلافة ومطالبها، والمواهب والاستعدادات اللازمة لها، وما يترتب على هذه وتلك من تداول للمنافع والأرزاق، وتصارع وتضارب في الأنصبة والحظوظ.. في خلال هذا الخضم الواسع المترابط الحلقات لا في جيل واحد، بل في أجيال متعددة قريبة وبعيدة، ماضية وحاضرة ومستقبلة.
في خلال هذا الخضم تتفاوت الأرزاق في أيدي العباد.. ولكي لا ينتهي هذا التفاوت إلى إفساد الحياة والمجتمع، بينما هو ناشئ أصلا من حركة الحياة لتحقيق خلافة الإنسان في الأرض، يعالج الإسلام الحالات الفردية الضرورية بخروج أصحاب الثراء عن قدر من مالهم يعود على الفقراء ويكفل طعامهم وضرورياتهم. وبهذا القدر تصلح نفوس كثيرة من الفقراء والأغنياء سواء. فقد جعله الإسلام زكاة. وجعل في الزكاة معنى الطهارة.
وجعلها كذلك عبادة. وألف بها بين الفقراء والأغنياء في مجتمعه الفاضل الذي ينشئه على غير مثال.
فقولة أولئك المحجوبين عن إدراك حكمة اللّه في الحياة :«أَنُطْعِمُ مَنْ لَوْ يَشاءُ اللَّهُ أَطْعَمَهُ؟».. وتطاولهم على الداعين إلى الإنفاق بقولهم :«إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلالٍ مُبِينٍ».. إن هو إلا الضلال المبين الحقيقي عن إدراك طبيعة سنن اللّه، وإدراك حركة الحياة، وضخامة هذه الحركة، وعظمة الغاية التي تتنوع من أجلها المواهب والاستعدادات، وتتوزع بسببها الأموال والأرزاق.


الصفحة التالية
Icon