أي ونفخ في الصور نفخة ثانية للبعث والنشور من القبور، فإذا جميع المخلوقين يخرجون من القبور، يسرعون المشي إلى لقاء ربهم للحساب والجزاء، كما قال تعالى: يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْداثِ سِراعاً، كَأَنَّهُمْ إِلى نُصُبٍ يُوفِضُونَ [المعارج ٧٠/ ٤٣].
ثم ذكر ما يطرأ عليهم بعد البعث من الأهوال والمخاوف فقال تعالى :« قالُوا يا وَيْلَنا مَنْ بَعَثَنا مِنْ مَرْقَدِنا ؟ ». " وتأخذ المفاجأة المشركين والكافرين، لأنهم كانوا لا يتوقعون نشورا، فيفزعهم هذا البعث، ويتنادون بالويل.. لأنهم لا يدرون ماذا يراد بهم فى هذا العالم الجديد الذي أخذوا إليه ؟ ويأخذهم العجب من تلك اليقظة التي أخرجتهم من هذا النوم الطويل.. « مَنْ بَعَثَنا مِنْ مَرْقَدِنا » ؟ ويجيئهم الجواب :« هذا ما وَعَدَ الرَّحْمنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ ».. هذا ما كنتم به تكذبون!"
أي قال المبعوثون : يا هلاكنا من الذي بعثنا من قبورنا بعد موتنا؟ وهي قبورهم التي كانوا يعتقدون في دار الدنيا أنهم لا يبعثون منها، وظنوا لما شاهدوا من الأهوال وما استبد بهم من الفزع، أنهم كانوا نياما. وهذا لا ينفي عذابهم في قبورهم، لأنه بالنسبة إلى ما بعده في الشدة كالرقاد. « هذا ما وَعَدَ الرَّحْمنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ ». أي هذا ما وعد به اللّه وصدق في الإخبار عنه الأنبياء المرسلون، فهم رجعوا إلى أنفسهم، فاعترفوا أنهم بعثوا من الموت، وأقروا بصدق الرسل، يوم لا ينفع التصديق. فهذا الكلام من قول الكفار، وهو رأي عبد الرحمن بن زيد، واختاره الشوكاني وغيره.


الصفحة التالية
Icon