فليست الأيدى والأرجل وحدها هى التي تنطق وتشهد على أصحابها، بل إن كل جارحة فيهم تشهد عليهم بما كان منها، حتى ألسنتهم تلك التي ختم اللّه عليها.. إنها ستنطق ولكن بعد أن تشهد الجوارح كلها، فلا يكون لهم حجة تنطق بها الألسنة.. وهذا ما يشير إليه قوله تعالى :« يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ » (٢٤ : النور).
وجعل الكلام للأيدي والشهادة للأرجل، لأن أكثر الأفعال تتم بمباشرة الأيدي، كما قال تعالى : وَما عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ [يس ٣٦/ ٣٥] وقال سبحانه : وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ [البقرة ٢/ ١٩٥] أي ولا تلقوا بأنفسكم، والشاهد على العمل ينبغي أن يكون غيره، فجعل الأرجل والجلود من جملة الشهود، لتعذر إضافة الأفعال إليها.
روى مسلم عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ : كُنَّا عِنْدَ رَسُولِ اللهِ - ﷺ - فَضَحِكَ، فَقَالَ : هَلْ تَدْرُونَ مِمَّا أَضْحَكُ ؟ قُلْنَا : اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ : مِنْ مُخَاطَبَةِ الْعَبْدِ رَبَّهُ، يَقُولُ : يَا رَبِّ، أَلَمْ تُجِرْنِي مِنَ الظُّلْمِ ؟ قَالَ : يَقُولُ : بَلَى، قَالَ : فَإِنِّي لاَ أُجِيزُ عَلَى نَفْسِي إِلاَّ شَاهِدًا مِنِّي، فَيَقُولُ : كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ شَهِيدًا وَبِالْكِرَامِ الْكَاتِبِينَ عَلَيْكَ شَهِيدًا، فَيُخْتَمُ عَلَى فِيهِ، ثُمَّ يُقَالُ لأَرْكَانِهِ : انْطِقِي فَتَنْطِقُ بِأَعْمَالِهِ، ثُمَّ يُخَلَّى بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْكَلاَمِ، فَيَقُولُ : بُعْدًا لَكُنَّ، وَسُحْقًا فَعَنْكُنَّ كُنْتُ أُنَاضِلُ." (١).

(١) - صحيح ابن حبان - (١٦ / ٣٥٨) (٧٣٥٨) وصحيح مسلم (٧٦٢٩ )


الصفحة التالية
Icon