محصورين فى عالمهم الذي لا شىء فيه غير الضلال والظلام.. فيمينهم وشمالهم مغلق عليهم أبدا بحكم هذا الطوق الذي طوقوا به.. وأمامهم وخلفهم.. مسدودان.. فإذا أداروا وجوههم إلى أي اتجاه، لم يتغير حالهم، ولم يرتفع عنهم سد من هذه السدود المضروبة عليهم، حيث يلازمهم هذان السدان المضروبان عليهم من أمام ومن خلف.. فعلى أي اتجاه يكونون، يكون السدان من خلفهم ومن أمامهم.. أما عن أيمانهم وعن شمائلهم، فالطوق قائم بوظيفته فيهم فى كل حال..
وهذه الصورة إعجاز من إعجاز القرآن، فى تجسيد المعاني، وفى بعث الحياة، والحركة فى الجمادات والساكنات.. حيث نرى الكافر هنا وقد أدخل فى سجن محكم، مطبق عليه، لا يرى منه النور أبدا. (١)
وفيه إشارة إلى ما يقع لهؤلاء المشركين من هذه الآيات التي سلطها اللّه عليهم، من الأغلال والسدود، فلقد أقامت هذه الآفات غشاوة على عيونهم، فهم لا يبصرون.. وكيف يبصر من عاش فى هذه الحدود التي لا تتجاوز محيط جسده ؟ وما ذا يبصر لو كان له أن يبصر ؟. (٢)
ونتيجة لما سبق : وَسَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ أي إن إنذارك لهؤلاء المصرين على كفرهم وعدمه سواء، فلا ينفعهم الإنذار، ما داموا غير مستعدين لقبول الحق، والخضوع لنداء اللّه، والنظر في الدلائل الدالة على صدق رسالة النبي - ﷺ -، والتأمل في عجائب الكون المشاهدة الدالة على وجود اللّه تعالى ووحدانيته.
(٢) - التفسير القرآني للقرآن ـ موافقا للمطبوع - (١١ / ٩١٠)