أن يصدمها، إنما هي مستقيمة على نهجها، متناسقة معها، متعاونة كذلك مع سائر القوانين التي تحكم هذا الوجود وما فيه ومن فيه.
وهي من ثم مستقيمة على الطريق إلى اللّه، واصلة إليه موصلة به، لا يخشى تابعها أن يضل عن خالقه، ولا أن يلتوي عن الطريق إليه. فهو سالك دربا مستقيما واصلا ينتهي به إلى رضوان الخالق العظيم.
والقرآن هو دليل هذا الصراط المستقيم. وحيثما سار الإنسان معه وجد هذه الاستقامة في تصويره للحق، وفي التوجيه إليه، وفي أحكامه الفاصلة في القيم، ووضع كل قيمة في موضعها الدقيق.
«تَنْزِيلَ الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ».. يعرف اللّه عباده بنفسه في مثل هذه المواضع، ليدركوا حقيقة ما نزل إليهم. فهو العزيز القوي الذي يفعل ما يريد. وهو الرحيم بعباده الذي يفعل بهم ما يفعل، وهو يريد بهم الرحمة فيما يفعل.
فأما حكمة هذا التنزيل فهي الإنذار والتبليغ :«لِتُنْذِرَ قَوْماً ما أُنْذِرَ آباؤُهُمْ فَهُمْ غافِلُونَ»..
والغفلة أشد ما يفسد القلوب. فالقلب الغافل قلب معطل عن وظيفته. معطل عن الالتقاط والتأثر والاستجابة.
تمر به دلائل الهدى أو يمر بها دون أن يحسها أو يدركها. ودون أن ينبض أو يستقبل. ومن ثم كان الإنذار هو أليق شيء بالغفلة التي كان فيها القوم، الذين مضت الأجيال دون أن ينذرهم منذر، أو ينبههم منبه.


الصفحة التالية
Icon