وهو على التقدير الثاني، جواب لسؤال ينطق به لسان الحال، وهو : أية جناية جناها الناس حتى يساق إليهم هذا البلاء العظيم ؟
فكان الجواب :« ما يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ ».
وفى وصف الناس بأنهم عباد، إشارة إلى أنهم ـ وهم عباد ـ لم يرعوا حق العبودية للّه، بل كفروا باللّه، وكذبوا رسله، واستهزءوا بهم. والمراد بالعباد، هم الناس جميعا على اختلاف أوطانهم، وأزمانهم.. إنهم هكذا دأبهم وقليل منهم من يؤمن باللّه، ويصدّق رسله.. أما الكثرة منهم، فهم على هذا الوصف!."
وتنكير حَسْرَةً للتكثير. وسبب التحسر عليهم : أنهم لم يعتبروا بأمثالهم من الأمم الخالية. ولا متحسر أصلا في الحقيقة، إذ المقصود بيان أن ذلك وقت طلب الحسرة، حيث ظهرت الندامة عند مواجهة العذاب ومعاينته. وقيل : إنها حسرة الملائكة على الكفار حين كذبوا الرسل.
ثم أنذر اللّه تعالى الأجيال الحاضرة والمستقبلة فقال: « يا حَسْرَةً عَلَى الْعِبادِ ما يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ ».
" الخطاب هنا للمشركين. وهو تقرير لتلك الحقيقة التي يشهدونها عيانا، وهى أن الهالكين قبلهم من الأمم السابقة، كثيرون، وقد ذهبوا وذهبت آثارهم، وأنهم لن يرجعوا مرة أخرى إلى هذه الدنيا.. فلمَ يشتدُّ حرص هؤلاء المشركين على دنياهم تلك، التي كل ما فيها باطل وقبض الريح ؟ ألا يفكرون فى حياة أخرى وراء هذه الحياة، أبقى، وأعظم ؟. "