أي ألم يتعظوا بمن أهلك اللّه قبلهم من المكذبين للرسل كعاد وثمود، وأنهم لا رجعة لهم إلى الدنيا، خلافا لما يزعم الدّهرية الذين يعتقدون جهلا منهم أنهم يعودون إلى الدنيا كما كانوا فيها، كما حكى اللّه تعالى عنهم بقوله : وَقالُوا : ما هِيَ إِلَّا حَياتُنَا الدُّنْيا نَمُوتُ وَنَحْيا، وَما يُهْلِكُنا إِلَّا الدَّهْرُ.. [الجاثية ٤٥/ ٢٤].
ثم أعلمهم أيضا بوجود الحساب والعقاب في الآخرة بعد عذاب الدنيا، فقال تعالى :« وَإِنْ كُلٌّ لَمَّا جَمِيعٌ لَدَيْنا مُحْضَرُونَ ».
"« إن » هنا نافية بمعنى « ما » و« لما » بمعنى إلّا، أي ما كلّ إلا جميع محضرون لدنيا.. وهذا مثل قوله تعالى :« إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْها حافِظٌ ». والمعنى، أنه إذا كانت القرون الكثيرة التي هلكت لم ترجع إلى الدنيا مرة أخرى. فإن لها رجعة إلى اللّه.. وحضورا بين يديه.. فكل من هلك من الناس راجع إلى اللّه، للمساءلة، والجزاء..
وفى قوله تعالى :« مُحْضَرُونَ » ـ إشارة إلى أن هناك قوة تستدعيهم للحضور بين يدى اللّه، وأن ذلك ليس عن اختيار منهم، ولو كان ذلك كذلك لكان للكافرين وأهل الضلال مهرب إلى عالم الفناء الأبدي، حيث يذهبون ولا يعودون، كي يفلتوا من العذاب الأليم.
وإذا كان الحديث هنا عن المجرمين، فقد كان قوله :« مُحْضَرُونَ » مناسبا لحالهم، التي هم فيها، والتي يمنون النفس بأن لارجعة إلى حياة بعد الموت، كما يقولون :« إِنْ هِيَ إِلَّا حَياتُنَا الدُّنْيا وَما نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ » (٢٩. الأنعام).